والآية الكريمة ـ أعني قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ـ من هذا القبيل فهو حسب الإرادة الاستعمالية بمعنى وجوه ناظرة إلى الله سبحانه أي رائية له ، ولكنّه كناية عن انتظار الرحمة أو العذاب مثلاً : يقول الشاعر :
وجوه ناظرات يوم بدر |
|
إلى الرحمن يأتي بالفلاح |
فلا يشكّ الإنسان انّ قوله : «وجوه ناظرات» بمعنى رائيات ، ولكنّه كُنّي به عن انتظار النصر والفتح.
ومنه الشعر التالي :
أني إليك لما وعدت لناظر |
|
نظر الفقير إلى الغني الموسر |
لا شكّ انّ المراد من النظر في كلا الموردين هو الرؤية ، استعمالاً ، ولكنّه كناية عن انتظار إنجاز الوعد ووصول العطاء.
والحاصل : انّ النظر إذا أُسند إلى العيون يكون المعنى الاستعمالي والجدي هو الرؤية ، ولكن إذا أُسند إلى الشخص أو الوجه تكون بمعنى الرؤية استعمالاً ويكون كناية عن الانتظار جداً ، مثلاً يقال : أنا إلى فلان ناظر ما يصنع به ، يريد معنى التوقع والرجاء.
ينقل الزمخشري انّه سمع سروية مستجدية بمكة وقت الظهر حين يغلق الناس أبوابهم ويأوون إلى مقائلهم ، تقول : «عيينتي نويظرة إلى الله وإليكم» تقصد راجية ومتوقعة لإحسانهم إليها كما هو معنى قولهم : «أنا أنظر إلى الله ثمّ إليك» أتوقع فضل الله ثمّ فضلك. (١)
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ٢٩٤.