٥
أدلّة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليّين
ذهبت الأشاعرة تبعاً لأهل الحديث إلى أنّ الفعل عاجز عن إدراك حسن الأفعال وقبحها وانّ الحسن ما أمر به الشارع والقبيح ما نهى عنه ، ولو جُرّد الموضوع عن الأمر والنهي لما تمكّن العقل من إدراكهما (١) وإنكارهم هذا أشبه بإنكار السوفسطائيين في إنكار الحقائق الخارجية ، حتّى وجودهم وأنفسهم لأجل شبهات واهية ، وذلك لأنّه لا يوجد على أديم الأرض إنسان ينكر جداً حسن الإحسان وقبح الظلم ، حسن العمل بالميثاق وقبح نقضه ، حسن جزاء الإحسان بالإحسان وقبح جزائه بالسوء ، إلى غير ذلك من القضايا الواضحة التي تعد أُسساً للحياة الفردية والاجتماعية.
وقد وقفت على كلام ، لبعض السلفين ردّ فيه على الأشاعرة المنكرين للحسن والقبح العقليين فقال : أنّ الأشاعرة أجازوا على الله أن يأمر بأيّ شيء ، وينهى عن أيّ شيء ، بناء على نفيهم التحسين والتقبيح العقليين ، ونفيهم الحكم والغايات ، وعلى ذلك فالشرك عندهم ليس قبيحاً في ذاته ، وسائر المحرمات كذلك ، وإنّما اكتسبت صفة القبح بنهي الله عنها ، ولو أمر الله تعالى بالشرك وبسائر المحرمات لكانت حسنة ، وجوزوا على الله ذلك ، كما أنّهم يرون أنّ التوحيد وسائر الطاعات ليست حسنة في ذاتها ، وإنّما اكتسبت صفة الحسن بأمر الله بها ،
__________________
(١) الإرشاد للجويني : ٢٥٨ وغيره.