مبدأ ظهور فكرة العصمة بين المسلمين
وبالامعان في هذه الآيات يظهر انّ العصمة بمفهومها البسيط (العصمة من العصيان والخطأ) مع قطع النظر عن موصوفها ، قد طرحها القرآن وألفتَ نظر المسلمين إليها من دون أن يحتاج علماؤهم إلى أخذ هذه الفكرة من الأحبار والرهبان.
وبذلك يعلم انّ مبدأ ظهور فكرة العصمة في الأُمة الإسلامية هي القرآن الكريم لا غير.
نعم انّ الموصوف في هذه الآيات وإن كانت هي الملائكة أو القرآن الكريم والمطروح عند علماء الكلام هو عصمة الأنبياء والأئمة ، لكن الاختلاف في الموصوف لا يضرّ بكون القرآن مبدأً لهذه الفكرة ، لانّ المطلوب هو الوقوف على منشأ تكوّن هذه الفكرة ، ثمّ تطورها عند المتكلّمين ويكفي في ذلك كون القرآن قد طرح هذه المسألة في حقّ الملائكة والقرآن.
على أنّ القرآن الكريم طرح عصمة النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في غير واحد من آياته كما سيوافيك ، ويكفيك في المقام قوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى). (١)
فنرى الآيتين تشيران بوضوح إلى انّ النبي لا ينطق عن ميول نفسانية وان ما ينطق به ، وحي ألْقى في روعه وأُوحِي إلى قلبه ، ومن لا يتكلّم عن الميول النفسانية ويعتمد في منطقه على الوحي يكون مصوناً من الزلل في المرحلتين : مرحلة الأخذ والتبليع ، إذ قال سبحانه : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) ... (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى). (٢)
__________________
(١) النمل : ٤٣.
(٢) النجم : ١١١. ١٧