وفي كلام بعض الأشاعرة إلماع لما ذكرنا ، يقول النسفي (المتوفّى ٥٣٧ ه) : وفي إرسال الرسل ، حكمة.
ويقول التفتازاني (المتوفّى ٧٩١ ه) في شرحه على ذلك الموضع من كلام النسفي : أي مصلحة وعاقبة حميدة. وفي هذا إشارة إلى أنّ الإرسال واجب لا بمعنى الوجوب على الله تعالى ، بل بمعنى أنّ قضية الحكمة تقتضيه لما فيه من الحِكَم والمصالح وليس بممتنع. (١)
وكلامه هذا نفس ما ذكرناه ، وهذا دليل على أنّ الأشاعرة قد أظهروا نوعاً من المرونة للعدلية عبْر الزمان.
الدوافع من وراء إنكار التحسين والتقبيح العقليّين
إنّ التحسين والتقبيح العقليّين من المسائل الواضحة لدى العقل والعقلاء والتي لا تحتاج إلى مزيد بيان ، ومن أنكرهما فإنّما ينكرهما بلسانه دون قلبه ، وعلى الرغم من ذلك نرى وجود فئة كبيرة من المتكلّمين ـ كالأشاعرة ـ غلب عليهم إنكار هذا الأصل ، فما هو الدافع الذي جرّهم إلى إنكاره؟
أقول : إنّ الدافع من وراء إنكار الحسن والقبح في أفعاله سبحانه غير الدافع الذي جرّهم إلى إنكارهما في أفعال الإنسان.
فالدافع في الأوّل هو زعمهم المنافاة بين القول بهما وبين وصفه سبحانه بالمالك المطلق والسلطان بلا منازع الذي له أن يتصرف في ملكه كيف ما شاء حتى لو جازى الإحسان بالسوء.
__________________
(١) شرح العقائد النسفية : ١٦٤.