ولكن البحث والتحليل أوقفنا على خلاف ما ذهبوا إليه ، لما عرفت من أنّه ليس وراء العلم في الجمل الخبرية ، ولا وراء الإرادة والكراهة في الجمل الإنشائية شيء نسمّيه كلاماً نفسياً ، ولو أرادوا بالكلام النفسي معنى الكلام اللفظي أو صورته العلمية التي ينطبق على لفظه ، يرجع لبه إلى العلم ولا يزيد عليه وإن أرادوا به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إذا راجعناه.
أدلّة الأشاعرة على الكلام النفسي
ثمّ إنّ الأشاعرة استدلّوا على وجود الكلام النفسي في كلّ متكلّم بوجوه لا تسع الرسالة لذكرها. ونقتصر بذكر دليلين :
الأوّل : العصاة والكفّار مكلَّفون بما كلّف به أهل الطاعة والإيمان بنص القرآن الكريم ، والتكليف عليهم لا يكون ناشئاً من إرادة الله سبحانه وإلاّ لزم تفكيك إرادته عن مراده ، ولا بدّ أن يكون هناك منشأ آخر للتكليف ، وهو الذي نسمّيه بالكلام النفسي تارة ، والطلب أُخرى ، فيستنتج من ذلك انّه يوجد في الإنشاء شيء غير الإرادة.
ويجاب عنه بوجهين :
١. إرادته سبحانه لو تعلّقت بفعل نفسه فلا تنفك عن المراد ، وأمّا إذا تعلّقت بفعل الغير فبما انّها تعلّقت بالفعل الصادر عن العبد عن حرية واختيار ، فلا محالة يكون الفعل مسبوقاً باختيار العبد ، فإن أراد واختار العبد يتحقّق الفعل ، وإن لم يرد فلا يتحقّق.
وبعبارة أُخرى : لم تتعلّق مشيئته سبحانه بصدور الفعل من العبد على كلّ تقدير ، أي سواء أراده أم لم يرده ، وإنّما تعلّقت بصدوره منه بشرط سبق الإرادة ، فإن