بخلق الأنعام وانّه لم يشاركه أحد فيها ، فهي مصنوعة لله تعالى والناس ينتفعون بها ، فبدل أن يشكروا ، يكفرون بنعمته ، وأنت إذا قارنت بين الآيتين تقف على أنّ المقصود هو المعنى الكنائي ، والمدار في الموافقة والمخالفة هو الظهور التصديقي لا التصوري.
قال الشريف المرتضى : قوله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) جار مجرى قوله : «لما خلقت أنا» وذلك مشهور في لغة العرب. يقول أحدهم : هذا ما كسبتْ يداك ، وما جرت عليك يداك. وإذا أرادوا نفي الفعل عن الفاعل استعملوا فيه هذا الضرب من الكلام فيقولون : فلان لا تمشي قدمه ، ولا ينطق لسانه ، ولا تكتب يده ، وكذلك في الإثبات ، ولا يكون للفعل رجوع إلى الجوارح في الحقيقة بل الفائدة فيه النفي عن الفاعل. (١)
٣. قال سبحانه : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (٢) فاليد وإن كانت ظاهرة في العضو الخاص لكنّها في الآية كناية عن القوة والإحكام ، وذلك لأنّ «اليد» من مظاهر القدرة والقوة بقرينة قوله : (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) ، وكأنّه سبحانه يقول : والسماء بنيناها بقدرة لا يوصف قدرها وإنّا لذو سعة في القدرة لا يعجزها شيء ، أو بنيناها بقدرة عظيمة ونوسعها في الخلقة. (٣)
٤. قال سبحانه : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٤) انّ العرش في اللغة هو السرير والاستواء عليه هو الجلوس ، غير أنّ هذا حكم مفرداتها ، وأمّا معنى الجملة فيتفرع الاستظهار منها ، على القرائن الحافة بها ، فالعرب الأقحاح لا يفهمون منها سوى السلطة والاستيلاء ، وحملها على غير ذلك يعدّ تصرّفاً في الظاهر ، وتأويلاً لها ،
__________________
(١) أمالي المرتضى : ١ / ٥٦٥.
(٢) الذاريات : ٤٧.
(٣) الكشاف : ٣ / ٢١.
(٤) طه : ٥.