كان موجباً لقرب المكلّف إلى فعل الطاعة والبعد عن فعل المعصية ، فهو لطف مقرّب ، ولو ترتّبت عليه الطاعة فهو لطف محصّل.
وحاصل اللطف عبارة عن فسح المجال أمام المكلّف بُغية حصول الطاعة والابتعاد عن المعصية ، وهو أمر غير إعطاء القابلية للمكلّف بل فوقه ، فانّ القدرة شرط عقلي ولولاها لقبح التكليف ، والمراد انّه سبحانه يتلطّف على العبد ـ وراء إعطائه القابلية والقدرة ـ بفعل أُمور يرغب معها إلى الطاعة وترك المعصية ، فلو توقّف تحصيل الغرض (طاعة العبد) وراء إعطاء القدرة ، على فعل المرغِّبات إلى الطاعة وترك المعصية كوعده وإيعاده كان على المكلّف القيام به لكيلا ينتفي الغرض ، وإلى هذا الدليل يشير المحقّق الطوسي ، ويقول : «واللطف واجب لتحصيل الغرض به».
٤. بعثة الأنبياء
إنّ العقل يحكم بلزوم بعث الأنبياء ، وذلك لأمرين رئيسيّين :
الأوّل : انّ للعقل أحكاماً كلية كلزوم شكر المنعم وعبادته ، إلاّ أنّه عاجز عن الخوض في تفاصيلها ، فوجب من باب اللطف بعث الأنبياء ، لغاية إيضاح كيفية أداء الواجب وبيان المزيد من التفاصيل.
الثاني : انّ ادراك العقل حسن فعل أو قبحه ربما لا يكون باعثاً أو زاجراً إلاّ إذا افترض بوعد ووعيد من قبل المولى سبحانه وهو لا يتحقّق إلاّ ببعث الأنبياء الناطقين عنه سبحانه ، وبذلك يعلم أنّ دور الأنبياء بالنسبة إلى ما يدركه العقل أحد أمرين ، إمّا دور الإرشاد إلى التفاصيل التي لا يدركها العقل ، وإمّا دور الدعم لحكمه.