يقارب النسخ الذي اتّفق المسلمون على جوازه ، غير أنّ مجال النسخ هو التشريع ومجاله هو التكوين.
كلام الإمام شرف الدين في البداء
وهناك كلامٌ للإمام شرف الدين (١٢٩٠ ـ ١٣٧٧ ه) قد كشف اللثام عن حقيقة البداء بوجه يقنع كلّ باحث يرتاد الحقيقة ، وبما أنّ كلامه فصل حاسم نأتي به تفصيلاً ليقف القارئ على مدى اضطهاد الشيعة ، قال : إنّ الله قد ينقص من الرزق وقد يزيد فيه ، وكذا الأجل والصحّة والمرض والسعادة والشقاء ، والمحن والمصائب والإيمان والكفر وسائر الأشياء كما يقتضيه قوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ).
وهذا مذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وأبي وائل وقتادة ، وقد رواه جابر عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ ، وكان كثير من السلف الصالح يدعون ويتضرّعون إلى الله تعالى أن يجعلهم سعداء لا أشقياء ، وقد تواتر ذلك عن أئمّتنا في أدعيتهم المأثورة وورد في السنن الكثيرة ، أنّ الصدقة على وجهها ، وبرّ الوالدين ، واصطناع المعروف يحوّل الشقاء ، سعادة ويزيد في العمر ، وصحّ عن ابن عباس انّه قال : لا ينفع الحذر من القدر ولكنّ الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر.
هذا هو البداء الذي تقول به الشيعة ، تجوّزوا في إطلاق البداء عليه بعلاقة المشابهة ، لأنّ الله عزّ وجلّ أجرى كثيراً من الأشياء التي ذكرناها على خلاف ما كان يظنّه الناس فأوقعها مخالفة لما تقتضيه الأمارات والدلائل ، وكان مآل الأُمور فيها مناقضاً لأوائلها ، والله عز وجلّ هو العالم بمصيرها ومصير الأشياء كلّها ، وعلمه بهذا كلّه قديم أزليّ ، لكن لمّا كان تقديره لمصير الأُمور يخالف تقديره لأوائلها. كان