الذي رواه أصحاب الصحاح والسنن (١) ، وتبعهم التابعون منهم إلى يومنا هذا ، فلا وجه لتفريقهم عن المسلمين بهذه الكلمات اللاذعة.
٣. فخر الدين الرازي (المتوفّى ٦٠٦ ه)
إنّ الإمام الرازي كأسلافه تبع ظاهر حرفية لفظ «البداء» ونسبه إلى الشيعة ثمّ ناقشه ، بل ردّ عليه بعنف ، مع أنّه كان رازي المولد وكان موطنه معقل الشيعة ، ومن مقاربي عصره المفسّر الكبير أبو الفتوح الرازي مؤلف «روض الجنان في تفسير القرآن» في عشرة أجزاء (المتوفّى حوالي سنة ٥٥٠ ه) ، ومن معاصريه الشيخ محمود الحمصي المتكلّم الكبير الذي يذكر اسمه في تفسيره عند تفسير قوله سبحانه : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). (٢)
ومع ذلك فقد وضع من عنده للبداء تفسيراً خاطئاً جعله أساساً للردّ على الشيعة وأتى في خاتمة المحصل بما يحكى عن سليمان بن جرير الزيدي أنّه قال : إنّ أئمّة الرافضة وضعوا مقالتين لشيعتهم ، لا يظفر معهما أحد عليهم ، الأوّل : القول بالبداء ، فإذا قالوا : إنّه سيكون لهم قوّة وشوكة ثمّ لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا : بدا الله تعالى فيه. (٣)
إنّ المترقّب من فخر الدين الرازي أن لا يصدر إلاّ عن دليل ، وهذا التفسير الذي وضعه للبداء ممّا اخترعه خصوم الشيعة ، ولا يحتجّ به وقد علمت نصوص
__________________
(١) راجع صحيح الترمذي : ٥ / ٣٢٨ ح ٣٨٧٤ ؛ مسند أحمد : ٥ / ١٨٢ و ١٨٩ ؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم : ٣ / ١٤٨ ، وغيرها كثير.
(٢) مفاتيح الغيب : ١٠ / ١٤٥. والآية ٥٩ من سورة النساء.
(٣) تلخيص المحصّل : ٤٢١.