المسألة لا تنحل إلاّ في ضوء التحسين والتقبيح العقليّين الناشئين من قضاء الجبلّة الإنسانية والفطرة الثابتة ، فعند ذاك تتسم أُصول الأخلاق بسمة الثبات والخلود.
خذ على سبيل المثال «إكرام المحسن» فانّه أمر يستحسنه العقل ، ولا يتغير حكم العقل هذا أبداً ، وإنّما الذي يتغيّر بمرور الزمان ، وسائل الإكرام وكيفيته.
إنّ الثابت عبارة عن الأُصول الفطرية التي لها جذور في عمق الإنسان ، وطبيعته ، وبما انّ الفطرة الإنسانية واحدة في جميع الشرائط والظروف لا تتغير بتغيّرها ، تُصبح الأُصول المبنية على الفطرة الإنسانية أُصولاً ثابتة لا تتغيّر أيضاً ، فقوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١) ثابت ولا يتغيّر عبر القرون ، لأنّ العدل والإحسان قد جبل الإنسان عليهما ، نعم ثمة تغيّر يطرأ على الأساليب المقررة لإجراء تلك الأُصول الثابتة تبعاً لتغيّر الزمان ، فهي لم تزل تتغيّر حسب تغيّر الحضارات وهذا التغيّر ليس جوهرياً يمس ثبات تلك الأُصول.
إنّ للإنسان ـ مع غض النظر عن البيئة التي يعيش فيها ـ سلوكاً باطنياً يلازمه ولا ينفك عنه ، وفطرة ثابتة ويعدّ جزءاً مهماً من شخصيته يميّزه عن سائر الحيوانات ويلازم وجوده في كلّ زمان ومكان.
فهذا السلوك الباطني الثابت لا يستغني عن قانون ينظم اتجاهاته ، ويصونه عن الإفراط والتفريط ، فإذا كان القانون مطابقاً لمقتضى فطرته ، وصالحاً لتعديل ميولها ، لزم خلوده بخلوده ، وثبوته بثبوته ، فمن زعم أنّ الأخلاق تتطور
__________________
(١) النحل : ٩٠.