العذاب في صبيحتها ، أدلج فرآه القوم ، فحذروا فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم وفرقوا بين كلّ دابة وولدها ، ثمّ عجّوا إلى الله وأنابوا واستقالوا فأقالهم ، وانتظر يونس عليه خبر القرية وأهلها ، حتّى مرّ مارّ فقال : ما فعل أهل القرية؟ قال : فعلوا أنّ نبيهم لمّا خرج من بين أظهرهم عرفوا أنّه قد صدقهم ما وعدهم من العذاب ، فخرجوا من قريتهم إلى براز من الأرض ، ثمّ فرقوا بين كلّ ذات ولد وولدها ، ثمّ عجُّوا إلى الله ، وتابوا إليه فقُبِل منهم وأخّر عنهم العذاب. (١)
٢. حادثة الإعراض عن ذبح إسماعيل
قد تضافر في الآثار انّ رؤية الأنبياء رؤيا صادقة وربّما يكون وحياً. (٢) وقد رأى إبراهيم في منامه انّه يذبح إسماعيل ، وأعلم ابنه بذلك ، ليكون أهون عليه ، وليختبر صبره وجلده وعزمه على طاعة الله وطاعة أبيه ، يقول سبحانه : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ* فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). (٣)
فقوله : (أَنِّي أَذْبَحُكَ) يحكي عن حقيقة ثابتة وواقعية مسلّمة ، وهو أمر الله لإبراهيم بذبح ولده أوّلاً ، وتحقّق ذلك في عالم الوجود ثانياً ، وكأنّ قوله سبحانه : (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) يكشف عن أمرين :
١. الأمر بذبح الولد وهو أمر تشريعي.
٢. الكناية عن تحقّق ذلك في الواقع الخارجي.
__________________
(١) الدر المنثور : ٧ / ١٢٢.
(٢) الدر المنثور : ٥ / ٢٨٠.
(٣) الصافات : ١٠١ ـ ١٠٢.