الذي تدّعون أي السالب للاختيار.
وأمّا جذور هذه العقيدة وانّها كيف تسرّبت إلى الجزيرة العربية حتّى سادت على المشركين فقد ظلّت مجهولة؟
والعجب انّ رسوبات فكرة الجبر بقيت بعد بزوغ نجم الإسلام وسادت حال حياة الرسول وبعد رحيله أيضاً.
روى الواقدي في مغازيه عن أُمّ الحارث الأنصارية وهي تحدِّث عن فرار المسلمين يوم حنين قالت : مرّ بي عمر بن الخطاب منهزماً ، فقلت : ما هذا؟ فقال عمر : أمر الله. (١)
ومعنى ذلك انّه لم يكن دور للغزاة من المسلمين في هزيمة حنين ، وقد كانت الهزيمة تقديراً قطعياً من الله ولم يكن محيص من التسليم امامه.
وهذا هو نفس الجبر لا يفترق عنه قيد شعرة ، مع أنّه سبحانه يقول : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ). (٢)
وقد أشار سبحانه إلى عامل الهزيمة وأنّه أمران :
الأوّل : إعجابهم بكثرتهم ، فاعتمدوا على الكثرة ، مكان الاعتماد على الله سبحانه أوّلاً وعلى قواهم الذاتية ثانياً كما يقول : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ).
الثاني : الانسحاب عن ساحة الحرب بدل الثبات ، كما يقول سبحانه (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) مع أنّهم أُمروا بالثبات كما يقول تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ). (٣)
__________________
(١) المغازي : ٣ / ٩٠٤.
(٢) التوبة : ٢٥.
(٣) الأنفال : ١٥.