والعجب انّ هذه العقيدة (القدر السالب للاختيار) كانت سائدة بعد رحيل الرسول وباقية في اذهان الصحابة ، وهذا السيوطي ينقل عن عبد الله بن عمر أنّه جاء رجل إلى أبي بكر ، فقال : أرأيت الزنا بقدر؟ قال : نعم ، قال : فإنّ الله قدّره عليّ ثمّ يعذّبني؟ قال : نعم يا بن اللخناء أما والله لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك. (١)
لقد كان السائل في حيرة من أمر القدر فسأل الخليفة عن كون الزنا مقدَّراً من الله أم لا؟ فلما أجاب الخليفة بنعم ، استغرب من ذلك ، لأنّ العقل لا يسوّغ تقديره سبحانه شيئاً سالباً للاختيار عن الإنسان في فعله أو تركه ثمّ تعذيبه عليه ، ولذلك قال : «فانّ الله قدّره عليّ ثمّ يعذبني؟!» فعند ذاك أقرّه الخليفة على ما استغربه ، وقال : نعم يا ابن اللخناء.
استغلال الأُمويّين للقدر
إنّ طبيعة الحكومات الاستبدادية هي تبرير كلّ ما يسود المجتمع من الفقر والظلم والاعتساف بعامل خارج عن دائرة حكمهم كقضاء الله سبحانه وقدره حتّى لا يعترض عليهم معترض.
ومن هنا وجد التفسيرُ الخاطئ للدين طريقَه إلى المجتمع الحاضر وانّه وسيلة لدعم الجهاز الحاكم ، وقد استغل الشيوعيون والعلمانيُّون هذه الفكرة لإبعاد الناس عن الدين ولكنّهم خلطوا سهواً أو عمداً بين كون الدين الواقعي ـ الذي أُلهم على قلوب الأنبياء ولا أن يكون مسانداً للجهاز الظالم ـ وبين التفسير الباطل للدين ، إذ كيف يكون الدين مسانداً للسلطات الزمنية الجائرة مع أنّه يأمر بالعدل
__________________
(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٩٥.