حديث «الفراغ من الأمر» بدعة يهوديّة
يجد الباحث في ثنايا الأحاديث وكلمات المحدّثين قولهم : «إنّ الله سبحانه قد فرغ من الأمر» ، أي قد فرغ سبحانه من أمر التدبير والتكوين فلا يتغيّر ما قُدّر ، ولا يتبدّل ما قضى به ، وهو بظاهره نفس الجبر ، إذ معناه انّه لا محيص للإنسان إلاّ العمل بما قُدّر وقضى ولا يتمكّن من تغييره وتبديله ، وبالتالي لا خيرة للإنسان في حياته فيما يختار أو يترك مع أنّه سبحانه يحكم على خلافه ويقول : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ * يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ). (١)
وهل يمحو إلاّ ما أثبتَ؟! فلو كان قد فرغ من الأمر فما معنى محو ما أثبته وقدّره؟ كيف والله سبحانه مبسوط اليد لا يكبّله تقديره وقضاؤه ، فله السيادة على القضاء والقدر دونهما عليه؟!
وهذا هو الثعلبي ينقل عن مجاهد قال : قالت قريش : «حينما أنزل (ما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ) ما لنا نراك يا محمد تملك من شيء وقد فرغ من أمره ، فأنزلت هذه الآية تخويفاً ووعداً لهم ، أي أن يشأ أحدثها من أمر ـ إلى أن قال : ـ ويُحدث في كلّ رمضان في ليلة القدر ويمحو ويُثبت ما يشاء من أرزاق الناس ومسائلهم وما يؤتيهم ويُنسأهم له. (٢)
وقد تطرق عن طريق تلامذة الاحبار والرهبان انّه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت إلاّ الحياة والموت والشقاء والسعادة فانّهما لا يتغيران ، ونقله السيوطي عن
__________________
(١) الرعد : ٣٨ ـ ٣٩.
(٢) تفسير الثعلبي ، المسمّى بالكشف والبيان : ٥ / ٢٩٨ ؛ الدر المنثور : ٤ / ٦٥٩ واللفظ للثاني.