وهذا حال البدريين ، لا الأعراب ولا الطلقاء ولا أبنائهم ولا المنافقين ، فكيف حال من أتى بعدهم؟ ولعمري أنّ من يقرأ هذه الآيات البيّنات وما ورد حولها من الأحاديث والكلمات ثمّ يصرّ على عدالة الصحابة جميعاً دون تحقيق فقد ظلم نفسه وظلم أُمّته.
٥. فاسق يغرّ النبيّ وأصحابه
يقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ). (١)
أمر الله سبحانه بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلاّ يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذباً أو مخطئاً ، قال ابن كثير : قد ذكر كثير من المفسّرين أنّ الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ على صدقات بني المصطلق إلى حارث بن ضرار وهو رئيسهم ليقبض ما كان عنده ممّا جمع من الزكاة ، فلمّا أن سار الوليد حتّى بلغ بعض الطريق فرق ـ أي خاف ـ فرجع حتّى أتى رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فقال : يا رسول الله إنّ الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي ، فغضب رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وبعث البعث إلى الحارث ـ رضياللهعنه ـ وأقبل الحارث بأصحابه حتّى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث ، فقالوا : هذا الحارث. فلمّا غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم؟ قالوا : إليك. قال : ولم؟ قالوا : إنّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنّك منعته الزكاة وأردت قتله ، قال رضياللهعنه : لا والذي بعث محمّداً ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بالحقّ ما رأيته بتة ولا أتاني ، فلمّا دخل الحارث على رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ قال : منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي؟ قال : لا ،
__________________
(١) الحجرات : ٦.