٨. الفرار من الزحف
لقد دارت الدوائر على المسلمين يوم أُحد ، لأنّهم عصوا أمر الرسول وتركوا مواقعهم على الجبل طمعاً في الغنائم فأصابهم ما أصابهم من الهزيمة التي ذكرتها كتب السيرة والتاريخ على وجه مبسوط. وبالتالي تركوا النبيّ ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في ساحة الحرب وليس معه إلاّ عدد قليل من الصحابة ، ولم تنفع معهم دعواته ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ بالعودة إلى ساحة القتال ونصرته ، فقد خذلوه في تلك الساعات الرهيبة ، وأخذوا يلتجئون إلى الجبال حذراً من العدو ، ويتحدّث سبحانه تبارك وتعالى عن تلك الهزيمة النكراء بقوله : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ). (١)
فالخطاب موجّه للذين انهزموا يوم أُحد ، وهو يصف خوفهم من المشركين وفرارهم يوم الزحف ، غير ملتفتين إلى أحد ، ولا مستجيبين لدعوة الرسول ، حين كان يناديهم من ورائهم ويقول : هلم إليَّ عباد الله أنا رسول الله ... ومع ذلك لم يُجبه أحد من المولّين.
والآية تصف تفرقهم وتولّيهم على طوائف أُولاهم بعيدة عنه ، وأُخراهم قريبة ، والرسول يدعوهم ولا يجيبه أحد لا أوّلهم ولا آخرهم ، فتركوا النبيّ بين جموع المشركين غير مكترثين بما يصيبه من القتل أو الأسر أو من الجراح.
نعم كان هذا وصف طوائف منهم وكانت هناك طائفة أُخرى ، التفت حول النبي ودفعت عنه شرّ الأعداء ، وهم الذين أُشير إليهم بقوله سبحانه :
__________________
(١) آل عمران : ١٥٣.