يصحّ وصف هؤلاء بالعدالة والتزكية؟! وهم ـ طبعاً ـ غير المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، ويدلّ على ذلك ، عطف (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) على المنافقين ، قال سبحانه : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).
ومن يمعن النظر في الآيات الواردة حول غزوة الأحزاب يعرف مدى صمود كثير من الصحابة أمام ذلك السيل الجارف ، فإنّ كثيراً منهم كانوا يستأذنون النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ للرجوع إلى المدينة بحجة انّ بيوتهم عورة ويقول سبحانه : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً). (١)
١٠. المنافقون المندسّون بين الصحابة
لقد شاع النفاق بين الصحابة منذ نزول النبي ، بالمدينة ، وقد ركّز القرآن على عصبة المنافقين وصفاتهم ، وفضح نواياهم ، وندّد بهم في السور التالية : البقرة ، آل عمران ، المائدة ، التوبة ، العنكبوت ، الأحزاب ، محمد ، الفتح ، الحديد ، المجادلة ، الحشر ، والمنافقون.
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ المنافقين كانوا جماعة هائلة في المجتمع الإسلامي ، بين معروف عرف بسمة النفاق ووصمة الكذب ، وغير معروف بذلك ، ولأنّه مقنّع بقناع الإيمان والحب للنبي ، فلو كان المنافقون جماعة قليلة غير مؤثرة لما رأيت هذه العناية البالغة في القرآن الكريم.
وهناك ثلة من المحقّقين ألّفوا كتباً ورسائل حول النفاق والمنافقين ، وقد قام بعضهم بإحصاء ما يرجع إليهم فبلغ مقداراً يقرب من عشر القرآن الكريم.
__________________
(١) الأحزاب : ١٣.