٣. لا شكّ انّ الآيات قد أثنت على جمع من الصحابة وقد أوضحنا مقاصدها ، ومع ذلك كلّه فالثناء ثناء جمعي لا يتعلّق بآحادهم ، نظير الثناء على قوم بني إسرائيل في قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ). (١)
وقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ). (٢)
وقد أدرك بعض المحقّقين من أهل السنّة انّ وصف الصحابة بالعدالة كلّهم يخالف ما روي في حقّهم ، ولذلك عاد إلى تفسير هذا الكلام وقال : إنّه ليس معنى «الصحابة كلّهم عدول» انّ كلاً منهم سالم من الكبيرة ، فانّه بعيد من الصواب ، لأنّ منهم من سمع رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو يقول : «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» ثمّ قاتل مع معاوية فكان قاتل عمار بن ياسر ، ثمّ كان يتبجّح بذلك ويقول لمّا يأتي إلى أبواب بني أُمية : «قاتلُ عمار بالباب» ، فهل يحكم لهذا بانّه عدل بمعنى انّه سالم من الكبائر؟! إنّما معنى قول أُولئك المحدِّثين انّهم لا يتّهمون بالكذب على الرسول فيما يروونه من الأحاديث عنه ، أليس قتل عمار من أفسق الفسق؟! فقد خالف قول رسول الله ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ الذي سمعه منه وهذا الغادر هو أبو الغادية الجهني. (٣)
قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» عند شرح الحديث الذي فيه قصة حاطب بن أبي بلتعة ما نصّه : وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدّم انّ المؤمن
__________________
(١) البقرة : ٤٧.
(٢) الجاثية : ١٦.
(٣) المقالات السنية : ٣٦٥.