أمّا العامل الأوّل فلا شكّ في تأثيره ، وقد قال سبحانه : (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً). (١) وفي الآيات والروايات تصريحات وإشارات إلى ذلك ، لكن أثرها بين غير قابل للتغيير ، كالبُله والحُمق والبلادة ، وبين قابل له في ظلّ عوامل تربوية ، ولأجل ذلك ربما يكون الولد المتولّد من أبوين بارّين ، خائناً وجانياً ، كما ربما يكون الولد المتولّد من أبوين طاغيين ، إنساناً صالحاً مطيعاً ، والأوّل كولد نوح ، والثاني كعمر بن عبد العزيز الأموي.
ومثله العامل الثاني ، فليس عاملاً حتميّ الأثر وقطعيّ النتيجة ، فربّما يسعى الوالدان ، لتغيير ما أوجده التعلّم من الآثار الطيّبة أو الخبيثة.
ولا يقلُّ عنه العامل الثالث ، فقد أثّرت البيئة الفاسدة على امرأة نوح وامرأة لوط ، فأفسدتهما (٢) وفي الوقت نفسه بقيت في بيت نوح عدّة على صلاحهم وفلاحهم. فهذه العوامل بأجمعها معدّات ، لا علّة تامّة في بناء الشخصية الحتمية غير القابلة للتغيير.
ثانياً : أنّ العوامل المكوِّنة للشخصية الإنسانية لا تنحصر في العوامل الثلاثة المذكورة التي اختارها المادي ، لأنّها تناسب ما يبتغيه ، كيف وانّ هناك أبعاداً روحية للإنسان وأحاسيس خاصة ، توحي إليه خير الحياة وتدفعه إليها ، بحماس ، وإن لم يكن علّة تامة أيضاً في التخطيط ، وهي عبارة عن الإدراكات النابعة من داخل الإنسان وفطرته من دون أن يتدخل في الإيحاء عامل خارجي ، كإحساسه بالجوع والعطش ، ورغبته في الزواج في سنين معيّنة ، والاشتياق إلى المال والمنصب في فترات من حياته ، وميله إلى ما هو حسن بالذات وهروبه عمّا هو قبيح كذلك ،
__________________
(١) الأعراف : ٥٨.
(٢) لاحظ سورة التحريم ، الآية ١٠.