ويكشف ما يكون ، والكتاب الدالّ عليه يسجّل للواقع وحسب! لا يجعل السماء أرضاً ولا الجماد حيواناً ، إنّه صورة تطابق الأصل بلا زيادة ولا نقص ولا أثر لها في سلب أو إيجاب.
إنّ هذه الأوهام (التقدير سالب للاختيار) تكذيب للقرآن والسنّة ، فنحن بجهدنا وكدحنا ننجو أو نهلك ، والقول بأنّ كتاباً سبق علينا بذلك وأنّه لا حيلة لنا بإزاء ما كتب أزلاً هذا كلّه تضليل وإفك ، لقوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها). (١) (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ). (٢)
والواقع انّ عقيدة الجبر تطويح بالوحي كلّه وتزييف للنشاط الإنساني من بدء الخلق إلى قيام الساعة ، بل هي تكذيب لله والمرسلين قاطبة ، ومن ثمّ فإنّنا نتناول بحذر شديد ما جاء في حديث مسلم وغيره : انّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتّى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها ، وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ...».
إلى أن قال : وكلّ ميل بعقيدة القدر إلى الجبر فهو تخريب متعمّد لدين الله ودنيا الناس ، وقد رأيت بعض النقلة والكاتبين يهوِّنون من الإرادة البشرية ومن أثرها في حاضر المرء ومستقبله وكأنّهم يقولون للناس أنتم محكومون بعلم سابق لا فكاك منه ومسوقون إلى مصير لا دخل لكم فيه ، فاجهدوا جهدكم فلن تخرجوا من الخط المرسوم لكم مهما بذلتم.
إنّ هذا الكلام الرديء ليس نضح قراءة واعية لكتاب ربنا ، ولا اقتداء
__________________
(١) الأنعام : ١٠٤.
(٢) الكهف : ٢٩.