الذكر الحكيم.
وأظنّ انّ الغلو في القدر جاء من قبل الأحبار والرهبان ، وعدّ من أركان الإيمان في عصر الأمويين ، وقد أحصا الأحاديث الواردة فيه ابن الوزير اليمني (١). فبلغت ٢٢٧ حديثاً ، منها ٧٢ حديثاً في وجوب الإيمان بالأقدار ، و ١٥٥ حديثاً في ثبوتها. (٢)
وقد تفلسف بعضهم في عدّه من أركان الإيمان من أنّ الإيمان بالقدر داخل ضمناً في الإيمان بالله ، بل جزء حقيقي منه ، لأنّ معناه الإيمان باحاطة علم الله تعالى بكلّ شيء وشمول إرادته لكلّ ما يقع من الكون ونفوذ قدرته في كلّ. (٣)
أقول : لو كان السرّ في عدّه من أركان الإيمان ، كونه تعبيراً آخر عن إحاطة علمه وشمول إرادته لكلّ شيء ، فلما ذا عدل عن المعنى الواضح إلى المعنى المبهم الذي لا ينتقل إلى ما ذكره إلاّ العلماء. فمقتضى البلاغة أن تُعدّ إحاطة علمه وشمول إرادته لكلّ شيء من أركان الإيمان.
ومن قرأ تاريخ نشوء فكرة القدر ، وانتشاره بين المحدّثين ، يقف على أنّ إكبار القدر وجعله من أركان الإيمان ، كان سياسة أموية ، لأجل تبكيت الناس وكبح جماحهم ، والحط من مظاهراتهم أمام أعمال السلطة ، ولا أظن أنّ معبد الجهني ، وغيلان الدمشقي ، كانا ينكران سعة علمه ، أو إرادته سبحانه حتّى ذهب الثاني ضحيّة جهاده ، ومكافحته مع الظالمين وقُتل بفتوى فقيه السلطة «الأوزاعي».
__________________
(١) تقرأ ترجمة ضافية له في كتابنا «الزيدية في موكب التاريخ».
(٢) نقله عنه مؤلّف الإيمان بالقدر.
(٣) الإيمان بالقدر : ٩.