٦
التفويض ومضاعفاته
لما كانت السلطة الأُموية مروّجة للقدر والقضاء بالمعنى السالب للاختيار وكان ذلك مخالفاً للفطرة الإنسانية وقضاء العقل وسيرة العقلاء ، قام رجال أحرار في وجه هذه العقيدة يركزون على القول بحرية الإنسان في إطار حياته ولكنّ السلطة اتّهمتهم بنفي القضاء والقدر ثمّ وضعت السيوف على رقاب بعضهم.
هذا هو معبد الجهني اتّهموه بنفي القدر فذهب إلى الحسن البصري فقال له : إنّ بني أُميّة يسفكون الدماء ويقولون إنّما تجري أعمالنا على قدر الله تعالى ، فقال : كذب أعداء الله. (١)
ومثله غيلان الدمشقي فقد اتّهم بنفس ما اتّهم به معبد الجهني فقد جاهر بمذهبه أيام هشام بن عبد الملك وأُحضِر الأوزاعي لمناظرته فأفتى بقتله فصُلب على باب كيسان بدمشق. (٢)
ولا أظن انّ الرجلين كانا ينكران القضاء والقدر ، إذ كيف يمكن لمسلم أن ينكر أصلاً قرآنياً يعد من المعارف العليا للقرآن الكريم ، وإنّما كانا ينكران تبرير
__________________
(١) الخطط المقريزية : ٢ / ٣٥٦.
(٢) الملل والنحل للشهرستاني : ١ / ٤٧.