(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ). (١)
وبما أنّ المروي عن المفوضة انّ الإنسان محتاج إلى الله في حدوثه لا في بقائه ، ولذلك قالوا باستغنائه في الفعل عنه تعالى ، فليبين موقف الوجود الإمكاني إلى الواجب تبارك وتعالى حتّى يتبيّن حاجته إليه حدوثاً وبقاءً ونأتي بمثال :
انّ مثل الموجودات الإمكانية بالنسبة إلى الواجب كمثل المصباح الكهربائي المضيء فالحس الخاطئ يزعم انّ الضوء المنبعث من هذا المصباح هو استمرار للضوء الأوّل ، ويتصور انّ المصباح إنّما يحتاج إلى المولّد الكهربائي في حدوث الضوء دون استمراره.
والحال انّ المصباح فاقد للإضاءة في مقام الذات محتاج في ضوئها إلى ذلك المولّد في كلّ لحظة ، لأنّ الضوء المتلألئ من المصباح إنّما هو استضاءة بعد استضاءة واستنارة بعد استنارة من المولد الكهربائي.
فينطفئ المصباح إذا انقطع الاتصال بينه وبين المولد ، فالعالم يشبه هذا المصباح الكهربائي تماماً فهو لكونه فاقداً للوجود بالذات يحتاج إلى العلّة (الواجب الوجود) في حدوثه وبقائه ، لأنّه يأخذ الوجود ـ عنه تعالى ـ آناً بعد آن وزماناً بعد زمان.
فإذا كان هذا حال الفاعل وذاته ، فكيف حال الفعل فالإنسان المحتاج إلى الواجب في كلّ آن ، محتاج إليه في الفعل والإيجاد ، لأنّ الفعل رهن الذات وموقوف عليها ، والذات في كلّ آن رهن العلّة العليا وموقوفة عليها ، فينتج انّ الفعل رهن العلّة العليا وموقوف عليها.
__________________
(١) النمل : ٨٨.