وتتجلّى قيمة هذا المذهب ببيان برهانه العقلي أوّلا ، وتحليل ما يدلّ عليه من الذكر الحكيم ثانياً ، والأحاديث الصحيحة ثالثاً.
١. نسبة الفعل إلى الله بالتسبيب وإلى العبد بالمباشرة
إنّ نسبة فعل العبد إلى الله بالتسبيب وإلى العبد بالمباشرة ، فإنّ الله سبحانه وهب الوجود والحياة والعلم والقدرة لعباده وجعلها في اختيارهم ، وانّ العبد هو الذي يصرف الموهوب في أي مورد شاء فيُنسب الفعل إلى الله تعالى لكونه مفيضَ الأسباب ، وإلى العبد لكونه هو الذي يصرفها في أي مورد شاء. وهناك مثال يبين حال النظريات الثلاث : الجبر ، والتفويض ، والأمر بين الأمرين.
لو فرضنا شخصاً مرتعش اليد ، فاقد القدرة ، فإذا ربط رجل بيده المرتعشة سيفاً قاطعاً وهو يعلم انّ السيف المشدود في يده سيقع على آخر ويُهلكه ، فإذا وقع السيف وقتله ، ينسب القتل إلى من ربط يده بالسيف ، دون صاحب اليد الذي كان مسلوب القدرة في حفظ يده.
ولو فرضنا أنّ رجلاً أعطى سيفاً لمن يملك حركة يده وتنفيذ إرادته فقتل هو به رجلاً ، فالأمر على العكس ، فالقتل ينسب إلى المباشر دون من أعطى.
ولكن لو فرضنا شخصاً مشلول اليد (لا مرتعشها) غير قادر على الحركة إلاّ بإيصال رجل آخر التيّار الكهربائي إليه ليبعث في عضلاته قوّة ونشاطاً بحيث يكون رأس السلك الكهربائي بيد الرجل بحيث لو رفع يده في آن ، انقطعت القوة عن جسم هذا الشخص في الحال وأصبح عاجزاً. فلو أوصل الرجل تلك القوة إلى جسم هذا الشخص ، فذهب باختياره وقتل إنساناً ، والرجل يعلم بما