ذكر المكان
اعلم أن الأماكن ليست كالأزمنة التي يعمل فيها كل فعل فينصبها نصب الظروف ؛ لأن الأمكنة : أشخاص (١) له خلق وصور تعرف بها كالجبل والوادي وما أشبه ذلك وهن بالناس أشبه من الأزمنة لذلك وإنما الظروف منها التي يتعدى إليها الفعل الذي لا يتعدى ما كان منها مبهما خاصة ومعنى المبهم أنه هو الذي ليست له حدود معلومة تحصره.
وهو يلي الاسم من أقطاره نحو : خلف وقدام وأمام ووراء وما أشبه ذلك ألا ترى أنك إذا قلت : قمت خلف المسجد لم يكن لذلك الخلف نهاية تقف عندها وكذلك إذا قلت : قدام زيد. لم يكن لذلك حد ينتهي إليه فهذا وما أشبهه هو المبهم الذي لا اختلاف فيه أنه ظرف.
وأما مكة والمدينة والمسجد والدار والبيت فلا يجوز أن يكن ظروفا ؛ لأن لها أقطارا محدودة معلومة تقول : قمت أمامك وصليت وراءك ولا يجوز أن تقول : قمت المسجد ولا قعدت المدينة ولا ما أشبه ذلك والأمكنة تنقسم قسمين منها ما استعمل اسما يتصرف في جميع الإعراب وظرفا ومنها ما لا يرفع ولا يكون إلا ظرفا.
فأما الظروف التي تكون اسما فذكر سيبويه : أنها خلفك وقدامك وأمامك وتحتك وقبالتك. ثم قال : وما أشبه ذلك. وقال : ومن ذلك : هو ناحية من الدار ومكانا صالحا وداره ذات اليمين وشرقي كذا وكذا.
__________________
(١) ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة نحو زيد عندك وعن المعنى نحو القتال عندك ، وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي نحو القتال يوم الجمعة أو في يوم الجمعة ولا يقع خبرا عن الجثة قال المصنف إلا إذا أفاد نحو الليلة الهلال والرطب شهري ربيع ، فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة نحو زيد اليوم وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا ، فإن جاء شيء من ذلك يؤول نحو قولهم الليلة الهلال والرطب شهري ربيع التقدير طلوع الهلال الليلة ووجود الرطب شهري ربيع هذا مذهب جمهور البصريين وذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك من غير شذوذ لكن بشرط أن يفيد كقولك نحن في يوم طيب وفي شهر كذا. انظر شرح ابن عقيل ١ / ٢١٤.