باب (حتى)
(حتى) : منتهى لابتداء الغاية بمنزلة (إلى) إلا أنها تقع على ضربين :
إحداهما : أن يكون ما بعدها جزءا مما قبلها وينتهي الأمر به.
والضرب الآخر : أن ينتهي الأمر عنده ولكنها قد تكون عاطفة وتليها الأفعال.
ويستأنف الكلام بعدها ولها تصرف ليس (لإلى) و (لإلى) أيضا مواقع لا تقع (حتى) فيها.
فأما الضرب الأول : وهو ما ينتهي به الأمر فإنه لا يجوز : أن يكون الاسم بعد حتى إلا من جماعة كالاستثناء لا يجوز : أن يكون بعد واحد ولا إثنين ؛ لأنه جزء من جماعة وإنما يذكر لتحقير أو تعظيم أو قوة أو ضعف ، وذلك قولك : ضربت القوم حتى زيد فزيد من القوم وانتهى الضرب به فهو مضروب مفعول ولا يخلو أن يكون أحقر من ضربت أو أعظمهم شأنا وإلا فلا معنى لذكره وكذلك المعنى إذا كانت عاطفة كما تعطف الواو تقول : ضربت القوم حتى عمرا ، فعمرو من القوم به انتهى الضرب ، وقدم الحاج حتى المشاة والنساء.
فهذا في التحقير والضعف وتقول : مات الناس حتى الأنبياء والملوك فهذا في التعظيم والقوة ولك أن تقول : قام القوم حتى زيد جر ، وإن كان في المعنى : جاء لأنك أنتهيت بالمجيء إليه بحتى فتقدير المفعول وقد بينا فيما تقدم أن كل فعل معه فاعله تعدى بحرف جر إلى اسم فموضعه نصب.
قال أبو بكر : والأحسن عندي في هذا إذا أردت أن تخبر عن زيد بفعله أن تقول : القوم حتى زيد فإذا رفعت فحكمه حكم الفاعل في أنه لا بد منه فإذا خفضت فهو كالمنصوب الذي يستغني الفاعل دونه ، وأما قول الشاعر :
ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله |
|
والزّاد حتّى نعله ألقاها (١) |
__________________
(١) على أن حتى وإن كانت يستأنف بعدها الكلام ، إلا أنها ليست متمحضة للاستئناف ، فلم يكن الرفع بعدها أولى ، فهي كسائر حروف العطف. يعني أنه يجوز في نعله النصب ، والرفع.