ذكر الضرب الثاني : وهو ما ارتفع بالحروف المشبهة بالأفعال :فمن ذلك (ما) وهي تجري مجرى (ليس) في لغة أهل الحجاز شبهت بها في النفي خاصة لأنها نفي كما أنها نفي يقولون : ما عمرو منطلقا ، فإن خرج معنى الكلام إلى الإيجاب لم ينصبوا كقولك : ما زيد إلا منطلق ، وإن قدموا الخبر على الاسم رفعوا أيضا فقالوا : (ما منطلق زيد) فتجتمع اللغة الحجازية (١) والتميمية فيهما معا ؛ لأن بني تميم لا يعملونها في شيء ويدعون الكلام على ما كان عليه قبل النفي يعني الابتداء فإذا قلت : ما يقوم زيد فنفيت ما في الحال حسن.
فإن قلت : ما يقوم زيد غدا كان أقبح ؛ لأن هذا الموضع خصت به (لا) يعني نفي المستقبل.
ولو قلت : (ما قام زيد) كان حسنا كأنه قال : (قام) فقلت أنت : ما قام ، فإن أخرت فقلت : ما زيد قام أو يقوم كان حسنا أيضا وتقول : ما زيد بقائم فتدخل الباء كما أدخلتها في خبر (ليس) فيكون موضع (بقائم) نصبا ، فإن قدمت الخبر لم يجز لا تقول : ما بقائم زيد من أجل أن خبرها إذا كان منصوبا لم يتقدم والمجرور كالمنصوب ولو قلت : ما زيد بذاهب ولا بخارج أخوه : وأنت تريد أن تحمل (الأخ) على ما لم يكن كلاما ؛ لأن (ما) لا تعمل في الاسم إذا قدم خبره وتقول : ما كل يوم مقيم فيه زيد ذاهب فيه عمرة منطلقا فيه خالد تجعل (مقيما) صفة (ليوم) وذاهب فيه صفة (لكل) و (منطلقا) موضع الخبر هذا على لغة أهل الحجاز وتقول : ما كل ليلة مقيما فيها زيد ، وإذا قلت : ما طعامك زيد آكل وما فيك زيد راغب ترفع الخبر لا غير من أجل تقديم مفعوله فقد قدمته في التقدير ؛ لأن مرتبة العامل قبل المعمول فيه
__________________
(١) " ما" الحجازية هي من المشبّهات ب" ليس" في النّفي وتعمل عملها وهو رأي البصريين (أما الكوفيون فلم يعملوها ، وما بعد ما عندهم مبتدأ والاسم بعده خبر ، كما أهملوا ليس حملا عليها ، فقالوا : ليس الطيب إلا المسك ، وأصلهم أن التميميين أهملوهما) وإنما سمّيت حجازيّة ؛ لأن الحجازيّين أعملوها ، في النّكرة ، والمعرفة ، وبلغتهم جاء التّنزيل قال تعالى : (ما هذا بَشَراً) (الآية : ٣١ سورة يوسف) ، (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) (الآية : ٣ سورة المجادلة). انظر معجم القواعد العربية ٨ / ٢٥.