قال أبو بكر : والذي عندي أنّ المفعول الأول يجوز أن يقتصر عليه كما (كان) يجوز أن يقتصر على الفاعل بغير مفعول وليس في الأفعال الحقيقية فعل لا يجوز أن تقتصر فيه على الفاعل بغير مفعول.
وكل فعل لا يتعدى إذا نقل إلى (أفعل) تعدى فلما كان يجوز أن أقول : (علم زيد) فاقتصر على الفاعل جاز أن أقول : (أعلم الله زيدا) ولكن لا يجوز أن يقتصر على المفعول الثاني في هذا الباب ؛ لأنه المفعول الأول في الباب الذي قبله وإنما استحال هذا من جهة المعنى لأنّك إذا قلت : (ظننت زيدا منطلقا) فالشكّ إنما وقع في الإنطلاق لا في زيد فلذلك لا يجوز أن تقول : (ظننت زيدا) وتقطع الكلام ويجوز أن تقول : ظننت وتسكت فلا تعديه إلى مفعول وهذا لا خلاف فيه ، وإذا جاز أن تقول : (ظننت وتسكت فيساوي (قمت) في أنه لا يتعدى جاز أن تقول : (أظننت زيدا) إذا جعلته يظن به كما تقول أقمت زيدا ؛ لأنه لا فرق بين (ظنّ زيد) إذا لم تعده وبين قام زيد كما تقول : أقمت زيدا وكل فعل لا يتعدى إذا نقلته إلى (أفعل) تعدّى إلى واحد ، فإن كان يتعدى إلى واحد تعدّى إلى اثنين ، وإن كان يتعدى إلى اثنين تعدى إلى ثلاثة ، فإن نقلت (فعل) إلى (فعل) كان بالعكس ؛ لأنه إن كان لا يتعدى لم يجز نقله إلى (فعل) ، وإن كان يتعدى إلى مفعول واحد أقيم المفعول فيه مقام الفاعل ولم يتعد بعده إلى مفعول ، وإن كان يتعدى إلى مفعولين أقيم أحدهما مقام الفاعل فتعدى إلى مفعول واحد وكذلك إن كان يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدى إلى مفعولين (ففعل) ينقص من المفعولات و (أفعل) يزيد فيها إذا كان منقولا من (فعل) فإذا أخبرت عن الفاعل (بالذي) من قولك : أعلم الله زيدا عمرا خير الناس قلت : (الذي أعلم زيدا عمرا خير الناس الله) وتفسيره كتفسير ما قبله ، فإن قيل لك ثنّ هذه المسألة بعينها فهو محال كفر ؛ لأن الله عز وجل لا سمي له ولا يجوز تثنيته ولا جمعه ولكن لو قلت : (أعلم بكر عمرا زيدا خير الناس) لجاز تثنية بكر وجمعه على ما تقدم من البيان ، وإن قلته : بالألف واللام وأردت الإخبار عن الفاعل فهو كالإخبار عنه في الباب الذي قبله ، وذلك قولك : (المعلم زيدا عمرا خير الناس الله) والمنبىء زيدا عمرا أخاك الله ، وإن أخبرت عن المفعول الأول قلت : (المعلمه الله عمرا خير الناس زيد) وإثبات الهاء هاهنا هو الوجه