فصل يذكر فيه قلّ وأقلّ
اعلم أنّ قلّ : فعل ماض وأقلّ : اسم إلّا أن أقلّ رجل قد أجروه مجرى قلّ رجل فلا تدخل عليه العوامل وقد وضعته العرب موضع (ما) ؛ لأنه أقرب شيء إلى المنفى القليل كما أن أبعد شيء منه الكثير وجعلت (أقلّ) مبتدأة صدرا إذا جعلت تنوب عن النفي كما أن النفي صدر فلا يبنون أقلّ على شيء فتقول : أقلّ رجل يقول ذاك ولا تقول : ليت أقلّ رجل يقول ذاك ولا لعل ولا إنّ إلا أن تضمر في (إنّ) وترفع أقلّ بالابتداء قال الأخفش : هو أيضا قبيح ؛ لأن أقلّ رجل يجري مجرى : قلّ رجل وربّ رجل لو قلت : كان أقلّ رجل يقول ذاك فرفعت (أقلّ) على (كان) لم يجز ولكن تضمر في (كان) وترفع أقلّ على الابتداء وأقلّ رجل وقلّ رجل قد أجروه مجرى النفي فقالوا : أقلّ رجل يقول ذاك إلا زيد.
وقال سيبويه : لأنه صار في معنى : ما أحد فيهما إلا زيد وقال : وتقول : قلّ رجل يقول ذاك إلا زيد فليس زيد بدلا من الرجل في (قلّ) ولكن : قلّ رجل في موضع أقلّ رجل ومعناه كمعناه وأقل رجل مبتدأ مبني عليه والمستثنى بدل منه لأنك تدخله في شيء يخرج من سواه.
قال : وكذلك : أقلّ من وقلّ من إذا جعلت (من) بمنزلة رجل.
حدثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة كما قال :
ربّما تجزع النّفوس من الأمر |
|
له فرجة كحلّ العقال (١) |
__________________
(١) قال ابن المستوفي في شرح الشواهد للمفصل : وجدت قوله ربما تكره النفوس من الأمر البيت ، في أبيات لأبي قيس صرمة بن أبي أنس ، من بني عدي بن النجار ، ووجد أيضا في أبيات لحنيف بن عمير اليشكري ، قالها لما قتل محكم بن الطفيل يوم اليمامة ، وهي :
يا سعاد الفؤاد بنت أثال |
|
طال ليلي بفتنة الرجال |
إنها يا سعاد من حدث الده |
|
ر عليكم كفتنة الرجال |
إن دين الرسول ديني وفي القو |
|
م رجال على الهدى أمثالي |
أهلك القوم محكم بن طفيل |
|
ورجال ليسوا لنا برجال |
ربما تجزع النفوس من الأم |
|
ر له فرجة كحل العقال |