والدعاء (بلن) غير معروف إنما الأصل ما ذكرنا أن يجيء على لفظ الأمر والنهي ولكنه قد تجيء أخبار يقصد بها الدعاء إذا دلت الحال على ذلك الا ترى أنك إذا قلت : (اللهم افعل بنا) لم يحسن أن تأتي إلا بلفظ الأمر وقد حكى قوم : اللهم قطعت يده وفقئت عينه قال الشاعر :
لا هم ربّ الناس إن كذبت ليلى
وإن قدمت الأسماء فقلت : زيد قطعت يده كان قبيحا ؛ لأنه يشبه الخبر وهو جائز إذا لم يشكل ، وإذا قلت : زيد ليقطع الله يده كان أمثل ؛ لأنه غير ملبس وهو على ذلك اتساع في الكلام ؛ لأن المبتدأ ينبغي أن يكون خبره يجوز فيه الصدق والكذب والأمر والنهي ليسا بخبرين والدعاء كالأمر وإنما قالوا : زيد قم إليه وعمرو اضربه اتساعا كما قالوا : زيد هل ضربته فسدّ الاستفهام مسد الخبر وليس بخبر على الحقيقة وقال : إذا اجزت افعل ولا تفعل أمروا ولم ينهوا ، وذلك في المصادر والأسماء والأدوات فتقول : ضربا ضربا والله تريد : اضرب ضربا واتق الله.
وهلمّ وهاؤم إنما لم يجز في النهي ؛ لأنه لا يجوز أن يضمر شيئان لا والفعل ولو جاءوا (بلا) وحدها لم يجز أيضا أن يحال بين (لا) والفعل لأنها عاملة وتقول : ليضرب زيد وليضرب عمرو وتقول : زيدا اضرب تنصب زيدا (باضرب) وقال قوم : تنصب زيدا بفعل مضمر ودليلهم على ذلك أنك تدخل فيه الفاء فتقول : زيدا فاضرب وقالوا : إنّ الأمر والنهي لا يتقدمها منصوبهما ؛ لأن لهما الإستصدار والذين يجيزون التقديم يحتجون بقول العرب بزيد امرر ويقولون : إن الباء متعلقة بامرر ولأنه لا يكون الفعل فارغا وقد تقدمه مفعوله ويضمرون إذا شغلوا نحو قولهم : زيدا اضربه ولهذا موضع يذكر فيه إن شاء الله.
__________________
أعشى همدان ، واسمه عبد الرحمن بن عبد الرحمن.
ولا يخفى أن هذا الشاعر إسلامي في الدولة المروانية زمن الحجاج ، ولم يكن في زمن الأسود بن المنذر. انظر خزانة الأدب ٣ / ٤٤٢.