وقد حكوا : ثلاث أسمية بنوها على (أفعلة) وهي مؤنثة وإنّما هذا البناء للمذكر وإنّما فعلوا ذلك ؛ لأنه تأنيث غير حقيقيّ وليس كعناق ؛ لأن (عناقا) تأنيثها حقيقيّ.
واعلم أنّ قولهم (يهريق) الهاء مفتوحة في مكان الهمزة وكان الأصل : يؤريق ؛ لأن أصله (أفعل) مثل (أكرم) فأكرم مثل (دحرج) ملحق به وكان القياس أن يقول في مضارع أكرم يؤكرم مثل (يدحرج) فاستثقلوا ذلك ؛ لأنه كان يلزم منه أن يقول : أنا أكرم مثل أدحرج أأكرم فحذفوا الهمزة استثقالا لإجتماع الهمزتين ثمّ أتبعوا باقي حروف المضارعة الهمزة وكذلك يفعلون ألا تراهم حذفوا الواو من (يعد) استثقالا لوقوعها بين ياء وكسرة ثمّ أسقطوها مع التاء والألف والنون فقالوا : أعد ونعد وتعد فتبعت الياء أخواتها التي تأتي للمضارعة فالذي أبدل الهاء من الهمزة فعل ذلك استثقالا لئلا يلزمه أن يجمع بين همزتين في أنا أفعل وأبدل فلم يحذف شيئا ، فإن قال قائل : فما تقديره من الفعل قلت : يهفعل ؛ لأن الهاء زائدة وحقّ كلّ زائد أن ننطق به بعينه وكذلك لو قال الشاعر : (يؤكرم) كما قالوا : يؤثفين لكان تقديره ووزنه من الفعل (يؤفعل) وتقول في قول من قال (يهريق) فأسكن الهاء وجعلها عوضا من ذهاب الحركة إن قيل : ما تقديره من الفعل لم يجز أن تنطق به على الأصل لأنّك إذا قيل لك : ما وزن : يريق قلت : يفعل وكذا عادة النحويين والفاء ساكنة والهاء ساكنة فلا يجوز أن تنطق بهما إذا كان تقدير (يريق) يفعل.
وأنا أبين لك ذلك بيانا أكشفه به ، فإن الحاجة إلى ذلك في هذه الصناعة شديدة فأقول إني قد بينت ما دعا النحويين إلى أن يزنوا بالفاء والعين واللام.
وأنهم قصدوا أن يفصلوا بين الزائد والأصل فالقياس في كلّ لفظ مقدر إذا كان فيه زائد أن تحكي الزائد بعينه فتقول في (أكرم) إنه (أفعل) وفي (كرامة) أنها (فعالة) وفي كريم أنّه (فعيل) ومكرم مفعل ؛ لأن ذلك كلّه من الكرم فالأصل الذي هو الكاف والراء والميم موجود في جميعها فالكاف فاء والراء عين والجيم لام فعلى هذا يجري جميع الكلام في كلّ أصلي وزائد فإذا جئنا إلى الأصول التي تعتلّ وتحذف ، فإن النحويين يقولون إذا سئلوا : ما وزن (قام) قالوا : (فعل).