ذكر ما يعرض من الإضمار والإظهار
اعلم أنّ الكلام يجيء على ثلاثة أضرب : ظاهر لا يحسن إضماره ومضمر مستغمل إظهاره ومضمر متروك إظهاره.
الأول : الذي لا يحسن إضماره : ما ليس عليه دليل من لفظ ولا حال مشاهدة لو قلت :زيدا وأنت تريد : كلم زيدا فأضمرت ولم يتقدم ما يدل على (كلم) ولم يكن إنسان مستعدا للكلام لم يجز وكذلك غيره من جميع الأفعال.
الثاني : المضمر المستعمل إظهاره : هذا الباب إنما يجوز إذا علمت أنّ الرجل مستغن عن لفظك بما تضمره فمن ذلك ما يجري في الأمر والنهي وهو أن يكون الرجل في حال ضرب فتقول : زيدا ورأسه وما أشبه ذلك تريد : اضرب رأسه وتقول في النهي : الأسد الأسد نهيته أن يقرب الأسد وهذا الإضمار أجمع في الأمر والنهي وإنما يجوز مع المخاطب ولا يجوز مع الغائب ولا يجوز إضمار حرف الجر ومن ذلك أن ترى رجلا يسدد سهما فتقول : (القرطاس والله) أي يصيب القرطاس أو رأيته في حال رجل قد أوقع فعلا أو أخبرت عنه بفعل فقلت : (القرطاس والله) أي : أصاب القرطاس وجاز أن تضمر الفعل للغائب ؛ لأنه غير مأمور ولا منهيّ وإنما الكلام خبر فلا لبّس فيه كما يقع في الأمر وقالوا : (الناس مجزيون بأعمالهم) إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر يراد إن كان خيرا.
ومن العرب من يقول : (إن خيرا فخيرا) كأنه قال : (إن كان ما فعل خيرا جزي خيرا) والرفع في الآخر أكثر ؛ لأن ما بعد الفاء حقه الإستئناف ويجوز : (إن خير فخير) على أن تضمر (كان) التي لها خبر وتضمر خبرها ، وإن شئت أضمرت (كان) التي بمعنى (وقع) ومثل ذلك قد مررت برجل إن طويلا ، وإن قصيرا ولا يجوز في هذا إلا النصب وزعم يونس : أنّ من العرب من يقول : (إن لا صالح فطالح) على إن : لا أكن مررت بصالح فطالح.
وقال سيبويه : هذا ضعيف قبيح قال : ولا يجوز أن تقول عبد الله المقتول وأنت تريد (كن عبد الله) ؛ لأنه ليس فعلا يصل من الشيء إلى الشيء ومن ذلك : أو فرقا خيرا من حبّ) ولو