الثالث : المضمر المتروك إظهاره : المستولي على هذا الباب الأمر وما جرى مجراه وقد يجوز فيه غيره فمن ذلك ما جرى على الأمر والتحذير نحو قولهم : (إياك) إذا حذرته والمعنى : (باعد إياك) ولكن لا يجوز إظهاره.
وإياك والأسد وإياك الشرّ كأنه قال : إياي لأتقينّ وإياك فأتقينّ فصارت (إياك) بدلا من اللفظ بالفعل ومن ذلك : (رأسه والحائط وشأنك والحجّ وامرأ ونفسه) فجميع هذا المعطوف إنما يكون بمنزلة (إياك) لا يظهر فيه الفعل ما دام معطوفا ، فإن أفردت جاز الإظهار والواو ها هنا بمعنى (مع) ومما جعل بدلا من الفعل : (الحذر الحذر والنجاء النجاء وضربا ضربا) انتصب على (الزم) ولكنهم حذفوا ؛ لأنه صار بمعنى (افعل) ودخول (إلزم) على (افعل) محال وتقول : (إياك أنت نفسك أن تفعل) ونفسك إن وصفت المضمر الفاعل رفعت ، وإن أضفت إياك نصبت ، وذلك ؛ لأن (إياك) بدل من فعل ، وذلك الفعل لا بدّ له من ضمير الفاعل المأمور ، وإن وصفت (إياك) نصبت وتقول : (إياك أنت وزيد وزيدا) بحسب ما تقدر ولا يجوز : (إياك زيدا) بغير واو وكذلك : (إياك أن تفعل) إن أردت : (إياك والفعل) ، وإن أردت :إياك أعظ مخافة أن تفعل جاز وزعموا أن ابن أبي إسحاق أجاز :
إيّاك إيّاك المراء فإنّه |
|
إلى الشّرّ دعاء وللخير زاجر (١) |
__________________
(١) الشاهد فيه أنه أتى بالمراء وهو مفعول به ، بغير حرف عطف. وعند سيبويه أن نصب المراء بإضمار فعل ، لأنه لم يعطف على إياك. وسيبويه وابن أبي اسحاق ينصبه ويجعله كأن والفعل وينصبه بالفعل الذي نصب إياك يقدر فيه : اتق المراء ، كما يقدر فعلا آخر ينصب إياك. وقال المازني : لما كرر إياك مرتين ، كان أحدهما عوضا من الواو. وعند المبرد : المراء بتقدير أن تماري ، كما تقول : إياك أن تماري : أي مخافة أن تماري.
وهذا البيت نسبه أبو بكر محمد التاريخي في طبقات النحاة ـ وكذلك ابن بري في حواشيه على درة الغواص الحريرية ، وكذلك تلميذه ابن خلف في" شرح شواهد سيبويه" ـ للفضل بن عبد الرحمن القرشي ، يقوله لابنه القاسم بن الفضل. قال ابن بري : وقبل هذا البيت :
من ذا الذي يرجو الأباعد نفعه |
|
إذا هو لم تصلح عليه الأقارب |
و" الأباعد" : فاعل يرجو. يريد : كيف يرجو الأجانب نفع رجل أقاربه محرومون منه.