[والتّنافر] أن تكون الكلمات ثقيلة على اللّسان (١) وإن كان كلّ منها فصيحا [كقوله : وليس قرب قبر حرب]
______________________________________________________
زيدا) ، وكتضمّن الكلام السّابق المرجع كما في قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(١) فإنّ الفعل متضمّن لمصدره وهو العدل في المثال.
والتّقدّم الحكميّ أن لا يكون المرجع مصرّحا به قبل الضّمير ، ولم يكن هناك ما يقتضي ذكره قبله إلّا أنّه ذكر مؤخّرا وأضمر قبله لنكتة ، وحيث إنّه لا مانع من تقديمه إلّا وجود النّكتة ، فكأنّه في حكم المتقدّم ، وتلك النّكتة كالإيهام ، ثمّ البيان ليتمكّن في ذهن السّامع عند اقتضاء المقام ، وذلك كما في ضمير الشّأن في نحو قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ،) وضمير ربّ في قولهم : (ربّه رجلا) وضمير القصّة في قولهم : (هي هند مليحة) فإنّ مضمون الجملة الّذي يعبّر عنه بالشّأن والقصّة ، وكذلك ما يقع بعد الضّمير المجرور بربّ ، وإن لم يكن مذكورا قبل صريحا ولا يكون هناك ما يقتضي ذكره إلّا أنّه لا مانع من تقديمه إلّا النكتة المذكورة فيعدّ بمنزلة المتقدّم وبحكمه ، ثمّ الفرق بين الإضمار قبل الذّكر حكما الموجب لضعف التّأليف ، وبين الإضمار الحكميّ الغير الموجب لضعف التّأليف هو وجود النّكتة وعدمها.
وكيف كان فنحو «ضرب غلامه زيدا» كلام غير فصيح عند المشهور ، والسّبب هو الإضمار قبل الذّكر الموجب لضعف التّأليف.
فإن قلت : إنّ قول غير المشهور يمكن أن يكون أقرب إلى اللّغة وتكون شواهده أظهر من شواهد قول المشهور فينبغي حينئذ الالتزام بفصاحة ما يخالف المشهور ويوافق غيرهم ، فلا وجه للحكم بفصاحة ما يخالف قول غير المشهور على نحو الإطلاق.
قلت : إنّ هذا الاحتمال وإن كان ممكنا في حدّ ذاته إلّا أنّه مجرّد احتمال ليس له تحقّق في الخارج. ولذا حكم بعدم فصاحة ما يخالف الجمهور على نحو الإطلاق.
(١) أي بسبب اجتماع بعضها مع بعض ، وإن كان كلّ منها فصيحة من حيث الانفراد ، وقد ذكر الشّارح في فصاحة المفرد أنّ التّنافر وصف في المركّب يوجب ثقلها على اللّسان.
فالأنسب أن يقول هنا : إنّ التّنافر وصف في المركّب يوجب ثقله على اللّسان ، ثمّ التّنافر
__________________
(١) سورة المائدة : ٨.