فقوله ملكة (١) إشعار بأنّه لو عبّر عن المقصود بلفظ فصيح لا يسمّى فصيحا في الاصطلاح ما لم يكن ذلك راسخا فيه (٢) ، وقوله [يقتدر بها على التّعبير عن المقصود] دون أن يقول ـ يعبّر ـ إشعار (٣) بأنّه يسمّى فصيحا إذا وجد فيه تلك الملكة سواء وجد التّعبير أو لم يوجد وقوله : [بلفظ فصيح] ليعمّ المفرد والمركّب (٤) ،
______________________________________________________
بالسّامعة ، وبعضها بالذّائقة ، وبعضها بالشّامّة.
ثمّ إنّ ما يدرك بإحدى الحواس الظّاهريّة إمّا راسخة كحلاوة العسل وحرارة النّار وصفرة الذّهب ، وإمّا غير راسخة كصفرة الوجل وحمرة الخجل ، والقسم الأوّل يسمّى بالانفعالي لانفعال الحواسّ ، والثّاني يسمّى بالانفعال لأنّه لسرعة زواله شديد الشّبه بأن ينفعل.
ثمّ ما اختصّ بالأنفس أيضا قد يكون راسخا فيها ، وقد يكون غير راسخ فيها ، فالأوّل يسمّى ملكة ، والثّاني حالّا ، هذا تمام الكلام فيما يناسب المقام.
(١) دون أن يقول : الفصاحة في المتكلّم صفة ، إشعار بأنّه لو عبّر عن المقصود بلفظ فصيح لا يسمّى فصيحا في الاصطلاح ما لم يكن ذلك راسخا فيه ، لأنّ الفصاحة في المتكلّم اصطلاحا من الهيئات الرّاسخة في نفسه فلذا قال : ملكة.
(٢) أي لا يسمّى المتكلّم فصيحا ما لم يكن تعبيره عن المقصود بلفظ فصيح راسخا في نفس ذلك المتكلّم.
(٣) دون أن يقول يعبّر بها ، إشعار إلى أنّه يكفي في كون المتكلّم فصيحا اقتداره على التّعبير بلفظ فصيح ، فهو حينئذ فصيح ، وإن لم يعبّر عن المقصود بلفظ فصيح ، فلو قال : يعبّر بدل «يقتدر» لزم أن لا يسمّى من له ملكة التّعبير عن مقاصده فصيحا حال السّكوت لفقد التّعبير عن المقصود باللّفظ الفصيح في تلك الحالة مع أنّه فصيح جزما. فمن له ملكة التّعبير عن مقاصده بلفظ فصيح يسمّى فصيحا وإن كان ساكتا وفقد التّعبير بالفعل.
(٤) أي قال «بلفظ فصيح» ولم يقل بكلام فصيح «ليعمّ المفرد والمركّب» هذا جواب عن سؤال مقدّر وتقدير السّؤال أنّ المصنّف لم لم يقل : بكلام فصيح مع أنّه أنسب بالقياس إلى عنوان المتكلّم.
وحاصل الجواب : أنّه إنّما لم يقل : بكلام فصيح ، وترك ما هو أنسب لئلّا يتوهّم أنّه يشترط في فصاحة المتكلّم أن يكون مقتدرا على التّعبير عن جميع مقاصده بكلام فصيح ،