لما شاهدوا (١) من أنّ المحصّلين قد تقاصرت هممهم عن استطلاع طوالع أنواره (٢) وتقاعدت (٣) عزائمهم عن استكشاف خبيّات أسراره وأنّ المنتحلين (٤) قد قلّبوا (٥) أحداق الأخذ والانتهاب ومدّوا أعناق (٦) المسخ على ذلك الكتاب
______________________________________________________
(١) «لما» بالتّخفيف متعلّق بقوله : «يسألوني» فهو حينئذ تعليل ل «يسألوني» وما موصولة أو موصوفة والعائد محذوف ، وبالتّشديد ظرف ل «يسألوني» والمعنى : يسألوني لأجل ما علموه علما كالمشاهدة أو لمّا عاينوا.
(٢) أي أنّهم لمّا شاهدوا من أنّ المشتغلين بتحصيل الشّرح (المطوّل) قصرت هممهم قصورا تامّا عن الاطّلاع على معانيه المشبّهة بالأنوار الطّالعة فإضافة الطّوالع إلى الأنوار من إضافة الصّفة إلى الموصوف والضّمير المتّصل في «أنواره» يرجع إلى الشّرح.
(٣) عطف على قوله : «تقاصرت» والمراد بالتّقاعد الكسل. والعزائم جمع العزيمة بمعنى القصد والإرادة. والخبيّات جمع الخبيّة بمعنى الخفيّة. وإضافة الخبيّات إلى الأسرار من إضافة الصّفة إلى الموصوف والضّمير المجرور المتصل في «أسراره» يرجع إلى الشّرح ، والمعنى تكاسلت إرادتهم وقصدهم عن إظهار أسرار الشّرح المخبّأة أي المخفيّة.
(٤) جمع المنتحل عطف على «المحصّلين» بمعنى أخذ كلام الغير ونسبته إلى نفسه تصريحا أو تلويحا. والمعنى أنّ الآخذين بكلام الغير مظهرين أنّه لهم.
(٥) «قلّبوا» بمعنى التّقليب ، والأحداق جمع الحدقة بمعنى سواد العين ، وتقليبهما كناية عن شدّة العناية ، و «الانتهاب» بمعنى الأخذ قهرا وظلما ، فيكون عطفه على الأخذ من قبيل عطف الخاصّ على العام ، وإضافة الأحداق لأدنى ملابسة.
والمعنى أنّهم قلّبوا عين ما أخذوا وانتهبوا من كلامي في المطوّل إلى كلامهم ، يعني مزّجوه بكلامهم ناسبين إلى أنفسهم.
(٦) الأعناق جمع العنق كناية عن كمال الميل و «المسخ» تبديل صورة بصورة أدنى من الصّورة الأولى وإضافة الأعناق إلى المسخ لأدنى ملابسة و «على» بمعنى إلى متعلّقة بقوله : «مدّوا». والمعنى أنّهم لو أخذوا من هذا الكتاب معان وعبّروا عنها بعباراتهم الّتي هي أدنى من عبارات الكتاب لزم مسخ الكتاب من الصّورة الأولى إلى الصّورة الأخرى الأدنى من الأولى.