وتحقيق ذلك (١) إنّ الكلام إمّا أن تكون نسبته بحيث تحصل من اللّفظ ويكون اللّفظ موجدا لها (٢) من غير قصد إلى كونه (٣) دالّا على نسبة حاصلة في الواقع بين الشّيئين وهو الإنشاء أو تكون نسبته بحيث يقصد أنّ لها نسبة خارجيّة تطابقه أو لا تطابقه وهو الخبر ، لأنّ النّسبة (٤) المفهومة من الكلام الحاصلة في الذّهن (٥)
______________________________________________________
ومثله في البطلان احتمال رجوع النّفي إلى النّسبة ، إذ لازم ذلك أن لا تكون للإنشاء نسبة أصلا ، وليس الأمر كذلك لوجود النّسبة الكلاميّة والذّهنيّة فيه بالاتّفاق ، فإنّ المفهوم من قولك : (اضرب) إثبات الضّرب على ذمّة المخاطب بداعي البعث. فيتعيّن حينئذ أن يرجع النّفي إلى القيدين دون المقيّد أعني النّسبة ودون القيد الأوّل أو الثّاني. فمعنى العبارة : وإن لم يكن هناك خارج ولم تكن المطابقة أو عدمها فالكلام إنشاء. نعم ، يرجع النّفي إلى القيد الأوّل عند من يرى أنّ الإنشاء ممّا ليس له خارج ، كما هو ظاهر المصنّف.
(١) أي الفرق بين الخبر والإنشاء ، وحاصل التّحقيق : إنّ للإنشاء أيضا نسبة خارجيّ تطابقه أو لا تطابقه ، والفرق بينهما هو قصد المطابقة واللّا مطابقة في الخبر وعدم قصد ذلك في الإنشاء ، ففي قول الشّارح «وتحقيق ذلك» إشارة إلى ردّ ما يقتضيه ظاهر كلام المصنّف من أنّ الخبر له خارج والإنشاء ممّا لا خارج له ، فيكون هذا الفرق الّذي يظهر من المصنّف على خلاف التّحقيق.
(٢) إنّ عطف قوله : «ويكون اللّفظ موجدا ...» على قوله : «تحصل من اللّفظ» عطف تفسيريّ إن كان قوله : «تحصل» بمعنى توجد ، وليس تفسيريّا إن كان بمعنى تفهم.
(٣) أي من غير قصد المتكلّم إلى كون الكلام «دالّا على نسبة حاصلة في الواقع بين الشّيئين وهو الإنشاء» فقوله : «من غير قصد ...» لا ينافي أنّ الإنشاء له نسبة خارجيّة ، لأنّ نفي القصد المذكور لا يستلزم نفي حصول تلك النّسبة إلّا أن يكون عدم القصد لأجل عدم الخارج من باب السّالبة بانتفاء الموضوع ، ولازم ذلك عدم وجود النّسبة الخارجيّة في الإنشاء.
(٤) علّة للنّسبة الخارجيّة الخبريّة في الكلام الخبريّ.
(٥) فيه إشارة إلى اتّحاد النّسبة الكلاميّة والذّهنيّة ذاتا واختلافهما بحسب الاعتبار بمعنى أنّ النّسبة من حيث إنّها مدلول الكلام يقال لها كلاميّة ، ومن حيث حصولها في الذّهن