إنّ الخلوّ عن الحكم يستلزم الخلوّ عن التّردّد فيه فلا حاجة إلى ذكره (١) بل التّحقيق أنّ الحكم (٢) والتّردّد فيه متنافيان [أستغني (٣)] على لفظ المبنيّ للمفعول (٤) [عن مؤكّدات الحكم (٥)] لتمكّن الحكم في الذّهن (٦) حيث وجده خاليا ، [وإن كان] المخاطب [متردّدا فيه (٧)] أي في الحكم [طالبا له (٨)] بأن حضر في ذهنه طرفا الحكم (٩) وتحيّر في أنّ الحكم بينهما وقوع النّسبة أو لا وقوعها [حسن تقويته] أي تقوية الحكم
______________________________________________________
(١) أي التّردّد.
(٢) أي الحكم بمعنى التّصديق والإذعان والتّردّد أمران متنافيان ، وقد عرفت أنّ الخلوّ عن أحد المتنافيين لا يستلزم الخلوّ عن الآخر ، ثمّ التّنافي بين الحكم بمعنى الجزم بوقوع النّسبة أو لا وقوعها والتّردّد أظهر من الشّمس ، لأنّ التّردّد هو عدم الجزم.
(٣) جواب الشّرط في قوله : «فإن كان خاليّ الذّهن ...» أي فإن كان المخاطب خاليّ الذّهن عن الحكم ، حصل الاستغناء عن مؤكّدات الحكم.
(٤) الالتزام بأنّ قوله : «استغني» مبنيّ للمفعول ، لأحد أمرين : الأوّل : أنّه الرّواية. الثّاني : أنّه مناسب لما سيجيء من قوله : «حسن تقويته بمؤكّد» حيث لم يتعرّض فيه للمتكلّم ولا للمخاطب.
(٥) تقييد المؤكّدات بالحكم احتراز عن مؤكّدات الطّرفين كالتّأكيد اللّفظي أو المعنويّ ، فإنّها جائزة مع الخلوّ ، فيقال لخاليّ الذّهن : زيد زيد قائم ، أو يقال : زيد نفسه قائم.
والسّرّ في ذلك أنّ مقتضى خلوّ الذّهن عن الحكم قبوله له من دون تأكيد فلا حاجة إليه ، هذا بخلاف تأكيد الطّرفين حيث إنّه لا يرتبط بخلوّ الذّهن عن الحكم ، بل إنّما هو لدفع توهّم السّهو والنّسيان والمجاز.
(٦) تعليل لقوله : «أستغني عن مؤكّدات الحكم» لاستقرار الحكم في ذهن المخاطب حيث وجده ، أي المخاطب خاليا عن التّردّد والإنكار ، ف «حيث» في قوله «حيث وجده خاليا» تعليليّة.
(٧) بمعنى الوقوع أو اللّا وقوع.
(٨) أي للحكم.
(٩) قوله : «طرفا الحكم» هما المسند والمسند إليه.