فيما بني للمفعول (١) وأسند إلى الفاعل (٢) لأنّ السّيل هو الّذي يفعم أي يملأ من أفعمت الإناء أي ملأته [وشعر شاعر] في المصدر (٣) والأولى التّمثيل بنحو جدّ جدّه (٤) لأنّ الشّعر ههنا بمعنى المفعول (٥)
______________________________________________________
(١) أي فيما بني للمفعول النّحوي.
(٢) أي أسند إلى الفاعل الحقيقيّ وهو السّيل ، يعني ضميره ، وتوجيه المجاز فيه أنّ الإفعام صفة السّيل فكان أصله أفعم السّيل الوادي ، بمعنى ملأه ، ثمّ بني أفعم للمفعول ، أي أفعم السّيل على صيغة المجهول ، وهو معنى كونه مجازا ، لأنّ السّيل هو مفعم الوادي بالأحجار وغيرها ، والوادي هو المفعم فكون السّيل مفعما مجاز ، ثمّ اشتقّ منه اسم المفعول وأسند إلى الضّمير للفاعل الحقيقيّ بعد تقديمه وجعله مبتدأ ، فصار «سيل مفعم» مع أنّ السّيل هو المفعم لا المفعم ، والمفعم هو الوادي ، ولكن لمشابهته بالوادي في تعلّق الفعل بكلّ أسند إلى ضميره اسم المفعول قصدا للمبالغة.
لا يقال : إنّ سيلا نكرة ، والمعروف عند النّحاة عدم جواز وقوع النّكرة مبتدأ.
فإنّه يقال : إنّه يجوز الابتداء بالنّكرة إذا قصد بها العموم والمقام من هذا القبيل.
(٣) أي فيما بني للفاعل ، وأسند إلى المصدر الضّمير الرّاجع إلى المصدر الّذي هو مبتدأ ، ثمّ المبتدأ وهو «شعر» وإن كان نكرة إلّا أنّه ممّا أريد منه العموم فيجوز الابتداء بها.
(٤) أي اجتهد اجتهاده أو جدّ اجتهاده ، ثمّ وجه إسناد الاجتهاد إلى الجدّ لكثرة اجتهاده فكأنّه اعتبر جدّا وكان أصل «جدّ جدّه» جدّ الرّجل في جدّه ، فحذف الفاعل ، وأسند الفعل المبنيّ له إلى المصدر مبالغة ، فصار «جدّ جدّه» وأصبح مجازا ، لأنّ الجادّ هو صاحب الجدّ ومن قام به الجدّ لا نفس الجدّ. ثمّ وجه أولويّة هذا المثال المذكور إنّ الشّعر وإن كان في الأصل مصدرا يطلق على نظم الكلمات لكن غلب استعماله في الكلام الموزون نحو : قلت الشّعر ، فيكون بمعنى المفعول به فلا يكون مثالا آخر ، بل داخلا فيما قبله فيكون تكرارا.
(٥) أي بحسب ما هو المتبادر منه عرفا وإن جاز أن يكون بمعنى التّأليف وهو المعنى المصدريّ ، ولهذا لم يقل الصّواب ، بل قال : أولى ، فعلى هذا الفرض أعني كون الشّعر بمعنى المفعول ، يكون قوله : «شعر شاعر» من قبيل (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) في أنّ ما بني للفاعل النّحوي قد أسند إلى المفعول الحقيقيّ.