لأنّا نقول : لا نسلّم ذلك (١) ، كيف! وقد ذهب إليه كثير من ذوي العقول ، واحتجنا في إبطاله (٢) إلى دليل [ومعرفة حقيقته (٣)] يعني أنّ الفعل (٤) في المجاز العقليّ
______________________________________________________
(١) أي دخوله في الاستحالة العادية أو العقليّة ، لأنّ المراد بالاستحالة العقليّة هي كون الشّيء محالا بالضّرورة بحيث يحكم بها كلّ عاقل من دون حاجة إلى أيّ دليل ، والاستحالة في المثال المذكور ليست كذلك ، بل تحتاج إلى دليل ، كما أشار إليه بقوله : «كيف! وقد ذهب إليه ...» أي كيف يكون مستحيلا والحال أنّه قد ذهب إليه كثير من ذوي العقول فهو ليس من المحال العقليّ الضّروريّ.
(٢) أي ما ذهب إليه الكثير «إلى دليل».
(٣) أي حقيقة المجاز العقليّ ، أو حقيقة متعلّقه الّذي هو المسند إليه الّذي يكون الإسناد إليه حقيقة ، كما يدلّ عليه قول الشّارح : «فمعرفة فاعله ...».
(٤) حاصل الكلام في هذا المقام على ما في المفصّل إنّ الشّارح أتى بهذا الكلام دفعا للإشكالين الواردين على ظاهر كلام المصنّف :
تقرير الأوّل : إنّ قوله : «ومعرفة حقيقته ...» ناطق بظهوره على أنّ لكلّ مجاز عقليّ لا بدّ أن تكون حقيقة ، وليس الأمر كذلك فإنّهم قد صرّحوا بأنّ المجاز سواء كان عقليّا أو لغويّا لا يحتاج إلى الحقيقة ، بل لا بدّ له من الوضع إن كان لغويّا ، وممّا هو له إن كان عقليّا.
وتقرير الثّاني : إنّ الحقيقة في هذا الباب عبارة عن إسناد الفعل أو معناه إلى ما هو له ، ولا ريب إنّ الحقيقة بهذا المعنى من الأمور الظّاهرة بمعنى أنّ كلّ ما سمعناه كلاما مشتملا على إسناد الفعل أو معناه إلى غير ما هو له ندري أنّ حقيقته إسناده إلى ما هو له ، فإذا لا مجال لقوله : «ومعرفة حقيقته» إمّا ظاهرة وإمّا خفيّة لعدم وجود القسم الثّاني.
وحاصل الجواب : إنّ المراد بمعرفة حقيقته ليس معرفة نفس الحقيقة ومفهومها أعني الإسناد إلى ما هو له حتّى يرد أنّه أمر ظاهر لا يكون قابلا للاتّصاف بالخفاء ، وبالحقيقة ليس ما أصبح حقيقة بالفعل حتّى يرد أنّ المجاز مطلقا لغويّا كان أو عقليّا لا يحتاج إلى الحقيقة ، بل المراد بالحقيقة هو الفاعل أو المفعول اللّذان إذا أسند الفعل أو معناه إلى أحدهما يكون الإسناد حقيقة ، والمراد بالمعرفة العلم بهذا السّنخ من الفاعل والمفعول ، ولا ريب أنّ معرفته تارة تكون ظاهرة ، وأخرى خفيّة ، كما أنّه لا ريب في أنّ كلّ مجاز