وقيل في هذا المقام : إنّ الكناية (١) كما يقال : جاء حاتم ، ويراد به لازمه أي جواد لا الشّخص المسمّى بحاتم ، ويقال : رأيت أبا لهب ، أي جهنّميّا (٢) ، وفيه (٣) نظر ،
______________________________________________________
المعنى الموضوع له أوّلا المستعمل فيه اللّفظ ولا تتوقّف الكناية على إرادة لازم ما وضع له اللّفظ وهو الذّات المعيّنة.
فيكون هذا الكلام جوابا عمّا يقال : إنّ الكناية يجب فيها أن يكون المراد من اللّفظ لازم معناه ، كما في كثير الرّماد ، فإنّه استعمل في كثرة الرّماد ومرادا منه لازم معناه وهو الكرم والجود. وههنا ليس الأمر كذلك ، لأنّ المعنى الّذي استعمل فيه اللّفظ هو الذّات ، وكونه جهنّميّا ليس من لوازمها بل عن لوازم وصفها ككونها ملابسة للنّار.
وحاصل الجواب : إنّ قولهم يجب في الكناية أن يكون اللّفظ مستعملا في لازم معناه بمعنى إذا كانت الكناية باعتبار المسمّى بهذا الاسم ، وأمّا إذا كانت الكناية باعتبار المعنى الأصليّ كما ههنا فلا يجب فيها أن يكون المراد من اللّفظ لازم معناه المستعمل فيه ، بل يكفي فيها الانتقال من المعنى الأصليّ الموضوع له أوّلا وإن لم يكن اللّفظ مستعملا فيه إلى لازمه.
(١) توضيحه إنّ الكناية ذكر اللّفظ الموضوع لمعنى معيّن وإرادة لازم المعنى من الأوّل ، وليس الانتقال من الملزوم إلى اللّازم ، فإنّ لفظ حاتم موضوع للذّات المعيّنة الموصوفة بالكرم ، ويلزمها كونها جوادا. فإذا قلت : في شأن شخص كريم غير الشّخص المسمّى بحاتم ، جاء حاتم ، وأردت جاء جواد ، فقد استعملت اللّفظ في نفس لازم المعنى ، وهو جواد بدون اعتبار المعنى الأصليّ. وكذا أبو لهب معناه العلميّ الذّات المعيّنة الكافرة ويلزمها أن تكون جهنّميّة. فإذا قلت في شأن كافر غير أبي لهب : جاء أبو لهب ، وأردت جاء جهنّميّ ، فقد استعملت اللّفظ في نفس اللّازم للمعنى العلميّ ، وأمّا على القول الأوّل فالعلم مستعمل في معناه الأصليّ لينتقل منه إلى لازمه فالفرق بينهما واضح ، إذ يكون العلم على الأوّل مستعملا في معناه الأصلي لينتقل منه إلى لازمه ، وعلى الثّاني يكون مستعملا في نفس اللّازم ابتداء.
(٢) أي لا الشّخص المسمّى بأبي لهب.
(٣) أي فيما قيل نظر ، وقد ردّ الشّارح هذا القول بأمور :