لغرض من الأغراض (١) [نحو : هذا أبو الصّقر فردا (٢)] نصب على المدح أو على الحال [في محاسنه] من نسل شيبان بين الضّالّ والسّلم ، وهما شجرتان بالبادية ، يعني يقيمون
______________________________________________________
فإن قلت : إنّ كلام المصنّف يقتضي أن يكون اسم الإشارة أعرف المعارف ، وهو خلاف ما عليه الجمهور من أعرف المعارف ، هي المضمرات ، ثمّ الأعلام.
قلت : إنّ كونه مفيدا لتمييز المسند إليه أكمل تمييز لا يستلزم كونه أعرف المعارف ، وذلك فإنّ ضمير المتكلّم أعرف منه من دون شكّ ، وكذلك ضمير الخطاب ، لأنّ الحضور فيه داخل في المستعمل فيه دون اسم الإشارة فإنّه لازم له فيه ، وكذلك العلم لكونه موضوعا لشخص معيّن ، فمدلوله متعيّن بحسب الوضع دون اسم الإشارة ، فإنّ مدلوله يتعيّن في مرحلة الاستعمال دون مرحلة الوضع ، لكون الموضوع له فيه كلّيّا على رأي القدماء ، وهو مختار المصنّف والشّارح ، وفي المقام بحث طويل تركناه رعاية للاختصار.
(١) مثل المبالغة في المدح أو الذّمّ ، أو التّنبيه على غباوة السّامع وغيرها.
(٢) قوله : «الصّقر» كفلس ، كنية ممدوح الشّاعر ، وهو ابن الرّومي «المحاسن» كمجالس ، جمع حسن على غير القياس ، وهو ضدّ القبح «النّسل» بمعنى الولد «شيبان» كسكران ، أبو قبيلة «الضّالّ» جمع الضّالّة و «السّلم» جمع سلمة وهما شجرتان بالبادية ، الأولى : شجرة السّدر البرّي ، والثّانية : شجرة ذات شوك.
وغرض ابن الرّومي مدح أبي الصّقر ، لكونه من القوم الّذين يقيمون بالبادية ، حيث إنّ العرب كانوا يفتخرون بالإقامة بالبادية ، ويعتقدون أنّ فقد العزّ في الحضر ، وهو كذلك في الجملة ، لأنّ من كان في الحضر تناله غالبا يد أراذل النّاس ، أو يقال : إنّ عزّهم بفصاحتهم ، وكمال فصاحتهم في إقامتهم بالبادية ، إذ لو تركوها وأقاموا في الحضر ، وقع الاختلاط بينهم وبين أهل الحضر الّذين فيهم أعاجم ، فيختلط كلامهم بكلامهم ، فيكون مخلا بفصاحتهم ، فيكون عزّهم مفقودا.
ثمّ قوله : «فردا» نصب على المدح ، فلفظة «على» للتّعليل ، أي نصب لأجل المدح.
فالتّقدير : أمدح فردا ، أو نصب على الحال من الخبر أعني أبو الصّقر.
لا يقال : إنّ الحال لا تأتي من الخبر كما لا تأتي من المبتدأ عند المشهور.
فإنّه يقال : سوّغ ذلك كون الخبر هنا مفعولا في المعنى لمعنى اسم الإشارة ، أو هاء التّنبيه لتضمّن كلّ منهما معنى الفعل.