لأنّه (١) إنّما يتحقّق بعد تحقّق الطّرفين ، وأمثال هذه المباحث (٢) تنظر فيها اللّغة من حيث إنّها تبيّن أنّ هذا مثلا للقريب ، وذاك للمتوسّط ، وذلك للبعيد ، وعلم المعاني من حيث إنّه إذا أريد بيان قرب المسند إليه يؤتى بهذا ، وهو زائد على أصل المراد الّذي هو الحكم على المسند إليه المذكور المعبّر عنه بشيء يوجب تصوّره على أيّ وجه كان [أو تحقيره] أي تحقير المسند إليه [بالقرب (٣) نحو : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ)(١)
______________________________________________________
(١) أي التّوسّط.
(٢) هذا جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أن يقال : إنّ ذا للقريب ، وذاك للمتوسّط ، وذلك للبعيد ، ممّا يقرّره الوضع واللّغة ، فلا ينبغي أن يتعلّق به نظر علم العاني ، لأنّه إنّما يبحث عن الزّائد عن أصل المراد.
حاصل الجواب : إنّ علم المعاني يبحث فيه عن أنّه إذا أريد بيان قرب المسند إليه يؤتى بهذا ، ومن البديهي أنّ إرادة بيان قرب المسند إليه زائد على أصل المراد ، وبعبارة واضحة إنّ جهة البحث وحيثيّته في أسماء الإشارات في اللّغة مخالفة لجهة البحث عنها في علم المعاني ، فإنّ اللّغوي يبحث عن أسماء الإشارات من جهة بيان معانيها الموضوعة بإزائها ، ويبيّن أنّ هذا للقريب ، وذاك للمتوسّط ، وذلك للبعيد ، وليس له أيّ نظر إلى أنّ المسند إليه إذا كان قريبا واقتضى حال المخاطب بيان قربه يؤتى بهذا ، وإذا كان متوسّطا واقتضى حال المخاطب بيان توسّطه يؤتى بذاك ، وإذا كان بعيدا واقتضى حال المخاطب بيان بعده يؤتى بذلك ، هذا بخلاف علماء المعاني ، فإنّهم يبحثون عن أسماء الإشارات من جهة أنّ الإتيان بها قد يقتضيه حال المخاطب ويختلف باختلاف أحوال المخاطبين ، فيقتضي حال المخاطب الإتيان بما وضع للقريب ، وقد يقتضي الإتيان بما وضع للمتوسّط ، أو البعيد.
وبعبارة أخرى حال المخاطب قد يقتضي القرب ، وقد يقتضي البعد أو التّوسّط ، وليس لهم أيّ نظر إلى بيان معاني تلك الألفاظ في اللّغة أصلا. ولا ريب أن حال المسند إليه من حيث القرب والبعد والتّوسّط زائد على أصل المراد الّذي هو عبارة عن مجرّد ثبوت المسند للمسند إليه ، فعليه لا يبقى مجال للسّؤال المذكور.
(٣) أي أنّه يؤتى بالمسند إليه اسم الإشارة لقصد إظهار حقارة معناه بسبب دلالته
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٣٦.