دون شيء [وعلّم] من عطف الخاصّ على العامّ (١) ، رعاية لبراعة الاستهلال (٢)
______________________________________________________
وقد قرّر في محلّه أنّ المصدر المضاف إلى الفاعل يفيد العموم. ولا شكّ أنّ عموم الأنعام مستلزم لعموم المنعم به فقوله : «على ما أنعم» يدلّ التزاما على عموم المنعم به.
وأما الثّاني : فلأنّ المصنّف قد تعرّض لبعض المنعم به صراحة حيث قال : «وعلّم من البيان ما لم نعلم» فإذا لا معنى لقول الشّارح : «ولم يتعرّض للمنعم به ...».
قلت : يمكن الجواب عن الأوّل : إنّ مراد الشّارح ـ من التعرّض المنفي ـ التعرّض له بلفظ يدلّ عليه بمدلوله المطابقي فلا ينافي التعرّض بمدلوله الالتزامي.
وعن الثّاني : إنّ المراد بالتعرّض المنفي هو التعرّض الابتدائي أي لم يتعرّض ابتداء «لئلّا يتوهّم اختصاصه ...» فلا ينافي التعرّض لبعض المنعم به لأهمّيّته بعد التعرّض للجميع ابتداء ولو على طريقة الالتزام.
(١) أي كون عطف «علّم» على «أنعم» من عطف الخاصّ على العامّ إنّما يتمّ على تقدير جعل كلمة ما مصدريّة حيث يكون «ما أنعم» بمعنى إنعامه ، ثمّ المصدر المضاف عند عدم العهد يفيد العموم ، فتعليمه تعالى إيّانا البيان الّذي لم نكن نعلمه من جملة أنعامه تعالى فيكون المقام من عطف الخاصّ على العامّ. وأما العطف على تقدير كلمة ما موصولة فمن قبيل عطف فعل على فعل من دون تأويل. والفعل لا يدلّ على الشّمول والإحاطة ، وإنّما العموم فيه بدليّ ، فبحسب الاصطلاح لا يطلق على الفعل عنوان العامّ والخاصّ ، بل يطلق عليه عنوان المطلق والمقيّد.
(٢) قوله : «رعاية ...» تعليل لعطف الخاصّ على العامّ فكان الأولى أن يقول : «وعلّم» تخصيص بعد تعميم ، وذكر ذلك الخاصّ رعاية لبراعة الاستهلال.
وتفصيل الكلام في المقام : إنّ البراعة مصدر برع الرّجل ، فيقال : برع الرّجل إذا فاق أقرانه ، والاستهلال أوّل تصويت المولود فإنّه مصدر استهلّ الصّبيّ إذا صاح عند الولادة. ثمّ استعير لأوّل كلّ شيء.
فبراعة الاستهلال بحسب المعنى اللّغوي تفوق الابتداء ، وفي الاصطلاح نقل إلى ما إذا كان الابتداء مناسبا للمقصود ، لأنّه سبب لتفوّق الابتداء والبراعة حاصلة هنا بذكر البيان حيث يكون إشارة إلى أنّ هذا الكتاب في فنّ البيان.