ويوصف بالجملة (١) كقوله : «ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني» (٢). [وقد يفيد] المعرّف باللّام المشار بها إلى الحقيقة [الاستغراق (٣) نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(١) (٤)] أشير باللّام إلى الحقيقة لكن لم يقصد بها الماهيّة من حيث هي هي ، ولا من حيث تحقّقها في ضمن بعض الأفراد ، بل في ضمن الجميع بدليل صحّة الاستثناء الّذي شرطه دخول
______________________________________________________
(١) عطف على قوله : «يعامل» من قبيل عطف المعلول على العلّة.
(٢) البيت هكذا :
ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني |
|
فمضيت ثمّة قلت : لا يعنيني |
فقوله : «أمرّ» بمعنى مررت ، وإنّما عدل عنه إلى المضارع لقصد تصوير الحالة العجيبة واستحضارها ، «اللّئيم» الدّنيء الأصل والبخيل ، «يسبّني» مضارع من السّبّ بمعنى الشّتم «مضيت» من المضيّ بمعنى التّرك ، «ثمّة» حرف عطف ، والباقي واضح.
والشّاهد : في قوله : «اللّئيم» حيث إنّه وصف بالجملة أعني «يسبّني» وهو المعرّف بلام العهد الذّهني حيث إنّ القائل لم يرد لئيما معيّنا ، إذ ليس فيه إظهار ملكة الحلم المقصودة بالتّمدّح بها ، ولا الماهية من حيث هي هي ، لأنّها ليست قابلة للمرور ولا جميع أفراد اللّئيم لعدم إمكان المرور على كلّ لئيم في العالم ، فيتعيّن أن يكون المراد به الجنس في ضمن فرد مبهم. وبعبارة أخرى : أنّه ليس المراد باللّئيم شخصا معيّنا معهودا في الخارج ، بل المراد به أنّ كلّ لئيم عادته السّبّ والشّتم كائنا من كان ، لأنّ القائل أراد بقوله هذا إظهار أنّ له ملكة الحلم ، وشيم الكرام (الَّذِينَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ،) وهذا المعنى لا يناسب إرادة لئيم خاصّ ، بل المناسب له إرادة مطلق من كان كذلك ، ثمّ الوجه لكون الجملة صفة لا حالا ، أنّ الغرض أنّ اللّئيم دأبه السّبّ والشّتم ، ومع ذلك يتحمّله القائل ، ويعرض عنه ، وليس الغرض تقييد السّبّ بحال المرور فقط ، كما هو مقتضى الحالية.
(٣) أي استغراق جميع الأفراد ، وهذا هو القسم الثّالث من أقسام لام الحقيقة.
(٤) تمام الآية (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا
__________________
(١) سورة العصر : ٢.