وإن جعلناه (١) بمعنى ثبوت الحكم للتّابع حتّى يكون معنى ما جاءني زيد بل عمرو ، أنّ عمرا جاء ، كما هو مذهب الجمهور ، ففيه (٢) إشكال [أو للشّكّ] من المتكلّم [أو التّشكيك للسّامع (٣) أي إيقاعه (٤) في الشّكّ [نحو : جاءني زيد أو عمرو] أو للإبهام (٥) نحو قوله تعالى (٦) : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١) أو للتّخيير أو للإباحة
______________________________________________________
ابن الحاجب ، وعلى التّقديرين فصرف الحكم عن المحكوم عليه إلى المحكوم عليه الآخر ، أعني عن المتبوع إلى التّابع.
(١) أي إن جعلنا الصّرف في المنفي «بمعنى ثبوت الحكم للتّابع حتّى يكون معنى ما جاءني زيد بل عمرو ، أنّ عمرا جاء كما هو مذهب الجمهور» في النّفي.
(٢) أي ففي صرف الحكم إشكال ، لأنّ الحكم في المنفي هو عدم المجيء ، ولم يصرف عن المتبوع إلى التّابع ، وإنّما الّذي صرف هو ضدّ ذلك الحكم أعني ثبوت المجيء ، فلا يصدق أنّ الحكم قد صرف عن المحكوم عليه إلى آخر.
وأجاب بعضهم عن هذا الإشكال بما ملخّصه : إنّ المراد من صرف الحكم تغيير المحكوم به من حيث نسبته ، ولا شكّ أنّه هنا كانت نسبة المجيء إلى المتبوع بالنّفي ، ثمّ صرفت أي غيّرت من النّفي إلى الإثبات.
(٣) وإن كان المتكلّم غير شاكّ ، والتّشكيك عبارة عن إخفاء الأمر عن السّامع ، ومن هنا يظهر أنّه لا فرق بين التّشكيك ، وبين الإبهام ، لأنّ الإبهام أيضا إخفاء الأمر عن السّامع مع علم المتكلّم ، فلا يجوز جعل أحدهما قسيما للآخر بقوله : «أو للإبهام». إلّا أن يقال : إنّ الغرض من الإبهام التّأمل في الكلام لظهور الحقّ ، لا للتّشكيك.
(٤) أي إيقاع المتكلّم السّامع في الشّكّ ، بأن يكون المتكلّم عالما بالحكم لكنّه يريد تشكيك المخاطب.
(٥) الفرق بين التّشكيك والإبهام أنّ المقصود في الأوّل إيقاع الشّبهة في قلب السّامع ، وفي الثّاني الإخفاء عنه ، وليس فيه إيقاع السّامع في الشّكّ في أصل الحكم.
(٦) ففي الآية عطف (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) على (لَعَلى هُدىً) فهو من قبيل عطف المفرد على المفرد ، فالمقصود هو الإبهام ، فكأنّه قيل : أحدنا ثابت له أحد الأمرين ، أي الهدى
__________________
(١) سورة سبأ : ٢٤.