[أمّا بعد (١)]
______________________________________________________
الأخيار جمع خير مخفف خيّر ، فإذا لا وجه لقوله : «بالتّشديد».
وأجيب عن ذلك بوجوه :
الأوّل : أنّ مراده بالتّشديد مطلق التّشديد الشّامل للتّشديد في الحال والتّشديد في الأصل فلا يكون مخرجا للخير بالتّخفيف فعلا إن كان مشدّدا بالأصل. إلّا أنّ هذا المعنى خلاف الظّاهر فالمتبادر من قوله : «جمع خير بالتّشديد» ما يكون مشدّدا فعلا.
الثّاني : أنّ قوله «بالتّشديد» احتراز عن خير الّذي هو أفعل التّفضيل أصله أخير حذفت همزته تخفيفا ، لأنّه يثنّى ولا يجمع لا عن خير الّذي هو صفة مشبّهة مخفف خيّر.
وفيه أنّه قد قرّر في محله أنّ أفعل التّفضيل إنّما يمتنع أن يثنّى أو يجمع إذا كان مجرّدا من الألف واللّام والإضافة أو كان مضافا إلى نكرة ، وأما مع الاقتران بأل كما في المقام فالمطابقة واجبة ، فإذا كان موصوفه مثنّى أو مجموعا فلا بدّ أن يثنّى أو يجمع كما أنّه إذا كان مضافا إلى معرفة يجوز المطابقة وعدمها فعليه لا وجه للاحتراز عن الخير الّذي هو أفعل التّفضيل ، لصحّة أن يجمع على الأخيار أيضا.
الثّالث : أنّ قوله بالتّشديد احتراز عن خير مخفّف خيّر ولا ضير فيه ، لأنّ خيرا بالتّخفيف شائع استعماله فيمن هو كامل من ناحية الكمال والصّفات الظّاهريّة البدنيّة ، وخيّر بالتّشديد شائع استعماله فيمن هو كامل من ناحية التّدين وتزيّنه بالصّفات الكماليّة الأخلاقيّة ، ولا ريب أنّ المناسب في المقام توصيف الصّحابة بما يدلّ عليه خيّر بالتّشديد.
(١) كلمة أمّا هنا لفصل ما بعدها عمّا قبلها مع التّأكيد ، والوجه في إفادتها التّأكيد أنّك إذا أردت الإخبار بقيام زيد تقول : زيد قائم ، وإذا أردت تأكيد ذلك ، وأنّه قائم لا محالة تقول : أمّا زيد فقائم ومعنى ذلك مهما يكن من شيء في الدّنيا فزيد قائم ، فقد علّقت قيام زيد على وجود شيء في الدّنيا ، وذلك محقّق لأنّ الدّنيا ما دامت باقية يقع فيها شيء فما علّق عليه قيام زيد محقّق ، وبمقتضى المعلّق على المحقّق محقّق يكون قيام زيد محقّقا.