وتشبيه وجوه الإعجاز (١) بالأشياء المحتجبة تحت الأستار استعارة بالكناية (٢) وإثبات الأستار لها استعارة تخييليّة
______________________________________________________
وأما عدم ورود الثّاني فلأنّه قد ظهر قبل التّعليل أن إعجاز القرآن لكونه في أعلى مراتب البلاغة من أشرف المعلومات لكونه وسيلة لتصديق النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وموجبا للفوز بالسّعادات الدّنيويّة والأخرويّة ، فيستقيم حينئذ تعليل أشرفيّة علم البلاغة بأشرفيّة معلومه ، فيلزم تعليل أفضليّة الشّيء بما يترتّب عليه ، غاية الأمر هذا الجواب إنّما يتمّ على أن يكون المراد من المعلوم إعجاز القرآن لا القواعد ، وهو كذلك لإتيانه بالمعلوم مفردا حيث قال : «لكون معلومه» فلو كان المراد من المعلوم القواعد لأتى بصيغة الجمع ويقول : لكون معلوماته من أجل المعلومات. ثمّ المراد بالغاية هي الفوز بالسّعادات الدّنيويّة والأخرويّة.
(١) أي وجوه الإعجاز عبارة عن أنواع البلاغة وطرقها الّتي حصل بها الإعجاز وهي خواص التّراكيب كالحذف والذّكر والتّقديم والتّأخير والتّأكيد والتّجريد إلى غير ذلك من مقتضيات الأحوال الّتي برعايتها تحصل مرتبة راقية من البلاغة توجب هذه المرتبة مرتبة من الإعجاز.
(٢) توضيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :
الأوّل : ما هو المراد من الاستعارة بالكناية والاستعارة التّخييليّة؟
الثّاني : ما هو المراد من الإيهام؟
الثّالث : تطبيق الأمور على هذا المقام.
أمّا المراد بالاستعارة بالكناية فللقوم فيها ثلاثة مذاهب.
الأوّل : ما ذهب إليه المصنّف وهو أنّ الاستعارة بالكناية هي عبارة عن أن يشبه شيء بشيء في النّفس فيسكت عن ذكر أركان التّشبيه سوى المشبّه ويثبت له لازم من لوازم المشبّه به ليدلّ على ذلك التّشبيه المضمر في النّفس فهذا التّشبيه المضمر في النّفس يسمّى استعارة بالكناية أو مكنيّا عنها ، أمّا الكناية فلأنّه لم يصرح به بل أشير إليه بذكر أمر مختص له. أمّا الاستعارة فمجرّد تسمية خالية عن المناسبة ، وإثبات ذلك الأمر المختصّ بالمشبّه به للمشبّه استعارة تخييليّة ، لأنّه قد استعير للمشبّه أمر يخصّ المشبّه به ، وبه يكون قوامه أو كماله في وجه الشّبه ، ليخيّل أنّه من جنس المشبّه به كما في قول الشّاعر :