لأنّ ذلك (١) إنّما هو في بلاغة الكلام والمتكلّم ، وإنّما قسّم (٢) كلّا من الفصاحة والبلاغة أوّلا لتعذّر جمع المعاني المختلفة الغير المشتركة في أمر يعمّها في تعريف واحد وهذا (٣) كما قسّم ابن الحاجب المستثنى إلى متّصل ومنقطع ثمّ عرّف كلّا منهما على حدة.
______________________________________________________
(١) أي ما ذكر من التّعليل باعتبار المطابقة لمقتضى الحال لا يتمّ إلّا إذا انحصر معنى البلاغة بما ذكروه مع أنّه يجوز لها معنى آخر يصحّ وجوده في المفرد على تقدير أن يتّصف بها كأن يقال : إنّ معنى بلاغة المفرد وضعه في مرتبة تليق به كما أنّ للفصاحة في المفرد معنى آخر غير معنى فصاحة الكلام والمتكلّم ومع هذا الاحتمال لم يتجّه التّعليل المذكور لأنّ البلاغة في الكلام والمتكلّم أخصّ من مطلق البلاغة ولا يلزم من عدم اتّصاف المفرد بالبلاغة بمعنى الأخص أعنى البلاغة بمعنى المطابقة لمقتضى الحال عدم اتّصافه بمطلق البلاغة ، لأنّ انتفاء الخاصّ لا يستلزم انتفاء العام.
(٢) دفع لما يقال : من أنّ المتعارف بين المصنّفين ، بل هو الأصل أن يورد أوّلا تعريفا شاملا لأقسام المعرّف كتعريف الكلمة والكلام ثمّ تقسيمهما إلى أقسام أو قسمين ، والمصنّف ترك هذا الأصل حيث قسّم الفصاحة ضمنا إلى الفصاحة في المفرد والكلام والمتكلّم وقسّم البلاغة كذلك إلى البلاغة في الكلام والمتكلّم ، ثمّ عرّف كلّا من الأقسام في الفصاحة والقسمين في البلاغة.
فدفع هذه الشبهة بقوله «إنّما قسّم ...» أي الوجه في مبادرة المصنّف إلى التّقسيم قبل التّعريف الشّامل للأقسام هو ما أشار الشّارح إليه بقوله «لتعذّر جمع المعاني المختلفة» كأقسام الفصاحة وقسمي البلاغة «الغير المشتركة» أي المعاني المختلفة الّتي ليست بمشتركة «في أمر» أي مفهوم شامل لتعذّر جمع المعاني المختلفة «في تعريف واحد» ترك الأصل وما هو المتعارف.
(٣) أي تقسيم المصنّف أوّلا ثمّ التّعريف ثانيا كتقسيم ابن الحاجب المستثنى إلى متّصل ومنقطع ... وليس ذلك إلّا لعدم أمر عامّ مشترك بينهما. إلّا أن يقال : إنّه يمكن جمع المتّصل والمنقطع في تعريف لاشتراكهما في أمر يعمّهما وهو الذّكر بعد إلّا أو إحدى أخواتها ، فالتّشبيه حينئذ إنّما هو في مجرّد سبق التّقسيمين وتأخّر التّعريف.