وإنّ في قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ)(١) ثقلا قريبا من المتناهي فيخلّ بفصاحة الكلمة (١) لكنّ (٢) الكلام الطّويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة كما لا يخرج الكلام الطّويل (٣) المشتمل على كلمة غير عربيّة عن أن يكون عربيّا ، وفيه نظر (٤) ، لأنّ فصاحة الكلمات مأخوذة في تعريف فصاحة الكلام من غير
______________________________________________________
(١) أي السّبب للثّقل هو قرب المخارج لأنّ الهمزة والعين يخرجان من الحلق ، غاية الأمر إنّ الهمزة والهاء يخرجان من أقصاه والعين من وسطه.
(٢) دفعّ لما يتوهّم من أنّه على هذا القول يلزم أن تكون سورة يس الواقع فيها هذا اللّفظ غير فصيحة مع أنّه باطل فالقول بأنّ الضّابط المعوّل عليه في تنافر الحروف هو قرب المخارج باطل.
حاصل الدّفع إنّ الكلام المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة ، كما لا يخرج الكلام المشتمل على كلمة غير عربيّة عن كونه عربيّا كالقرآن فإنّه عربي ، قال الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا)(٢) مع أنّه قد اشتمل على كلمات غير عربيّة كالقسطاس فإنّها كلمة روميّة اسم للميزان ، والمشكاة فإنّها كلمة هنديّة اسم للقنديل ، والسجّيل فإنّها كلمة فارسيّة اسم لسنگ وگيل. فكما أنّ القرآن مع اشتماله على تلك الكلمات الغير العربيّة لم يخرج عن كونه عربيّا كما تشهد له الآية كذلك لا تخرج سورة فيها (أَلَمْ أَعْهَدْ) عن الفصاحة.
(٣) المراد من «الكلام الطّويل» هو القرآن أو السّورة.
(٤) أي فيما ذكره الزّوزني من أنّ قرب المخارج موجب للثّقل المخلّ بالفصاحة وما ذكره من أنّ الكلام المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة نظر وإشكال من وجوه :
الأوّل : ما تقدّم من الشّارح حيث قال : إنّ سبب الثقل في مستشزرات هو نفس اجتماع الحروف المخصوصة على التّرتيب المخصوص من دون دخل لقرب المخارج وبعدها.
الثّاني : أنّ ما ذكره من أنّ الكلام الطويل المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن
__________________
(١) سورة يس : ٦٠.
(٢) سورة يوسف : ٢.